يقول الزعيم الهندي مهاتما غاندي (1869/1948): «يجب أن يعيش الأغنياء ببساطة أكثر حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا!» المقولة تردد صداها عبر أزمنة وأمكنة عديدة، لكنّها حتماً لم تصل إلى سوريا، على الأقل لم تعبر على مسامع كلّ من روّج لافتتاح المطعم الفاخر في أحد فنادق دمشق قبل ايام.كأن كل من ذهب تلك الليلة ببدلته الأنيقة، ليجلس في الصالة الملكية، ويلتقط الصور والفيديوهات وينشرها على صفحات السوشال ميديا، لم يمرّ في شوارع دمشق، ولم يسمع عن أحوال أهلها منذ زمن طويل! كأنه مغيّب عن كلّ ما يحصل في بلاده، أو أّنه نوى إغماض عينيه بمنتهى التصميم والإرادة والتجاهل! خاصة إن كان فناناً يحسب على عامة الشعب، وقد منحه الجمهور محبّته، فردّ له الجميل بمباهاة ساذجة لافتتاح مطعم، فاتورة الشخص الواحد فيه لوجبة عشاء تقارب راتب مدير عام مؤسسة حكومية! فما بالك عن بقيّة الموظفين الذين يحتفلون اليوم بزيادة راتب تصل إلى عشرين ألف ليرة سورية (حوالي 28 دولار أمريكي) ولا يجدون قوت يومهم!
لم تنبته الفعاليات الفنيّة والرسمية في الافتتاح الباهر، إلى كم التشرد والتسوّل وعمالة الأطفال قرب الفندق الفاخر. لم يعن أحد من هؤلاء السادة أثناء مشواره منظر الشرطة وهي تلاحق أطفالاً بتهمة التشرّد، ولم يلمحوا عدد الوجوه الكالحة التي تبيع الدخّان على إشارات المرور، ولا حتى عدد العجزة ومبتوري الأطراف، وكبار السن الذين يبحثون عن فتاتهم في القمامة! المدينة الحزينة الموشّحة بالأسود، يطفح منها همّ يكفي قاطني هذا الكوكب، ولا يمكن لمن منّت عليه السماء بنعمة السمع، إلا أن يصغي لأحاديث سكانها في المقاهي الشعبية، والأماكن العامة، وتحت شبابيك بيوتها المتخمة بالوجع، وأن يستمع لمكالماتهم مع من هجرّتهم الحرب، وأن يقرأ تعليقاتهم التي تحرث القلب عمن ابتلعتهم المعارك او اختطفوا، وسجّلت مصائرهم ضد مجهول!
لا يحق لأحد أن يتدخّل في فاتورة أي ثري يذهب إلى هذا المطعم أو غيره، لأنه شأن شخصي، كذلك لا يعني الاعتراض هنا على فكرة افتتاح منشآت سياحية ولو كان مربط الفرس في مكامن بعيدة عن المطاعم. لكن مشهد الفيديوهات والصور المنتشرة للفنانين السورين في افتتاح هذا المطعم، بدا تماماً كما يفعل محدث نعمة دخل لتوّه مطعماً مترفاً، وراح يصوّر أطباق الطعام وينشرها على صفحاته. سلوك أقّل ما يوصف بأنه يعبّر عن قلّة وعي ملفتة، وعدم احترام ولو غير مقصود لمشاعر مدينة مكلومة بالحرب ومسيجة بالحاجة المذلّة، والأوضاع الاقتصادية المتردية!
الأمر فتح بوابة نقد لاذعة على صفحات السوشال ميديا بالتزامن مع اعتداءات إسرائيلية غادرة على الشام. لعلّها من المرات القليلة التي تعزف مواقع التواصل الاجتماعي على الوتر الحسّاس، وتضع الحجر في مكانه فيبدو قنطاراً!