فادي أبي سمرا عاشق للخشبة («في انتظار غودو» لروجيه عسّاف مثلاً) وللفن السابع (أفلام: «وست بيروت» لزياد دويري في 1998، و«طالع نازل لبهيج حجيج في 2013، و«الوادي» لغسّان سلهب في العام التالي، إلى جانب مشاركات أجنبية أيضاً). من هذين العالمين حيث ترك بصمته، أتى تلميذ يعقوب الشدراوي (1924 ــ 2013) إلى الدراما التلفزيونية. منذ عام 2016، يسجّل حضوره في السباق الدرامي في شهر الصوم. البداية كانت في دور المحقق «نزار» في مسلسل «نص يوم» (إخراج سامر البرقاوي ــ 2016)، قبل أن يتقمّص شخصية «هولو» الشريرة في «الهيبة ــ العودة» العام الماضي أمام عدسة المخرج نفسه. يومها، لفت أبي سمرا الأنظار وعلق في أذهان الناس نظراً لبراعته في تأدية الشخصية على المستويات كافة، حتى أنّ جزءاً كبيراً منهم صار يناديه بهذا الاسم في الشارع.
ابن قرية شبعا الجنوبية الحدودية، يلعب في رمضان 2019 دورَيْن في مسلسلَيْن بارزَيْن: المحقق «نادر الحاج» في «الكاتب» (تأليف ريم حنا، وإخراج شقيقها رامي حنّا، وإنتاج «إيغل فيلمز»)، والسجين اللبناني الهارب من خلف القضبان السورية «أدهم منصور» في «دقيقة صمت» (تأليف سامر رضوان، وإخراج شوقي الماجري، وإنتاج «إيبلا» و«صبّاح إخوان»).
قد تبدو شخصية محقق الشرطة عادية وسهلة لممثل يتقن تجسيد الأدوار المركّبة، إلا أنّ قدرات فادي التمثيلية تبدو أوضح في «دقيقة صمت» الذي يتشارك بطولته مع أسماء سورية بارزة، على رأسها: عابد فهد وفادي صبيح...
ليلة تنفيذ الحكم عليهما بالإعدام، يتم فجأة تهريب «أدهم منصور» و«أمير ناصر» (عابد فهد) بعد اندلاع حريق في أحد المهاجع، ومن ثم صدور قرار بتغيير مدير السجن. لاحقاً، نكتشف أنّ ما حصل تمهيد لتهريب السجينين بسيارة المدير الجديد وتنفيذ الحكم في سجينين آخرين يشكلان تهديداً لمجموعة من المتنفذّين الفاسدين. لكن بدلاً من أن يلقيا حتفهما في أرض نائية كما هو مخطط، يتمكّن «أدهم» و«أمير» من الفرار لتبدأ بعدها الأحداث بالتصاعد ضمن حبكة مليئة بالتشويق.
هنا، فادي أبي سمرا مقنعٌ للغاية. إنّه الخبير في تفجير الصخور الذي أودى «عن طريق الخطأ» بحياة زملاء له وانقطعت كل العلاقات بينه وبين إخوته في بيروت، ليمسي وحيداً قابعاً في الزنزانة. نحن أمام رجل مرتبك وخائف، لم تفلح الظروف الصعبة والخيبات المتتالية من بثّ القسوة في نفسه، كما أنّه وفيّ يحلم بالحب ويتوق إليه. من نبرة صوته الخافتة، إلى حركة جسده ونظرات عينيه الشاردتين وتعابير وجهه التي تطغى عليها الحيرة، وصولاً إلى تفاصيل شكله الخارجي (شعره الأجعد ونظارته ذات الإطار الدائري مثلاً)... كلها عناصر اشتغل عليها فادي أبي سمرا بتأنٍّ ليوصل للمشاهد شخصية «أدهم منصور» كما ارتأى ترجمتها من الورق إلى أرض الواقع.
الفنان الذي ترك الهندسة المعمارية ولحق بحلمه ودرس التمثيل، استطاع طوال الحلقات العشر التي عُرضت لغاية كتابة هذه السطور من فرض نفسه بين ممثلين سوريين مكرّسين. وكما يشي تسارع الأحداث، سيكون لـ «أدهم منصور» دور لا يستهان به في الأيام المقبلة.

*«الكاتب»: 18:00 بتوقيت بيروت على «نتفليكس»، و21:30 على lbci، و17:00 على «أبو ظبي دراما»
*«دقيقة صمت»: 22:30 بتوقيت بيروت على «الجديد»، و21:00 على «art حكايات»، و1:00 على «أبو ظبي»، و21:00 على «أبو ظبي دراما»