أنيس شودري وجومو كوامي سوندارامقبيل اجتماع منظمة الصحّة العالمية، وجّه قادة وخبراء عالميون رسالة مفتوحة كُتبت في 18 أيّار، إلى الحكومات لحضّها على ضمان تحرير كل اللقاحات والعلاجات والفحوصات المتصلة بفيروس كوفيد-19 من براءات الاختراع، وتوزيع الخدمات بشكل عادل لتكون متاحة لجميع البشر مجاناً

وعود كاذبة
دعا قادة: إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، النروج، والمفوضية الأوروبية، إلى أن يكون اللقاح «من إنتاج العالم كلّه، وللعالم أجمع... كعمل علمي صالح في القرن الواحد والعشرين»، أما رئيس الصين فقد تعهّد بأن يكون اللقاح الذي ستنتجه الصين عملاً صالحاً لعامّة الناس على الكوكب. كذلك أصرّ الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة وصول اللقاح عند توافره، إلى الجميع. وطالبت منظمة الصحة العالمية، بالإجماع أن تكون اللقاحات والعلاجات والاختبارات منافع عامة عالمية، لكن رسالتها كانت غامضة بشأن الآثار المترتبة على هذه اللقاحات والعلاجات.
لكن مع توافر لقاحات كوفيد-19 الآن، هناك نحو 70 دولة فقيرة لم تحصل عليه. «تحالف الناس للّقاحات» حذّر من أن عدداً أكبر من الأشخاص قد يموتون بعد الإصابة بالفيروس بسبب عدم حصولهم على لقاحات داعياً إلى تسهيل وصول اللقاح بشكل عادل وقليل الكلفة للجميع.
الدول الثرية وذات النفوذ ستضمن حصولها على اللقاح، بينما ستعجز الدول الفقيرة عن توفيره لغالبية الفقراء من شعوبها، إذ إن شخصاً واحداً فقط من بين كل عشرة أشخاص سيتمكن من الحصول عليه في سنة 2021. هذا الأمر يثير السخرية من «أهداف التنمية المستدامة»، التي تدّعي المؤسسات الدولية أنها تعمل من أجل تحقيقها، والتي يقول أحد مبادئها الأساسية «عدم التخلّي عن أحد».

التخلّي عن قواعد منظمة التجارة العالمية
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقالاً بعنوان «هل تريدون لقاحات سريعاً؟ علّقوا حقوق الملكية الفكرية». ذكر معدو المقال، بأن حقوق الملكية الفكرية هي حجر العثرة الرئيسي أمام حصول الناس على اللقاحات. وفي الوقت نفسه، اقترحت الهند وجنوب أفريقيا أن تتخلى منظّمة التجارة العالمية عن قواعدها بشأن حقوق الملكية الفكرية التي تحدّ من وصول الأدوية والأدوات والمعدّات واللقاحات الخاصّة بكوفيد-19 إلى الجميع. هذا الاقتراح، نال ترحيباً من المدير العام لمنظّمة الصحة العالمية، ولاقى الدعم من 100 حكومة والكثير من منظمات المجتمع المدني حول العالم، وهو يتجاوز محدودية مرونة «إعلان الدوحة» في مواجهة حالات الطوارئ الوطنية والظروف الملحّة القصوى. لكن البرازيل، وهي أحد أكثر البلدان تضرّراً من الوباء، عارضت الاقتراح ومعها: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، سويسرا، النروج، كندا، أستراليا واليابان، وتصرّ هذه الدول على أن «إعلان الدوحة» كافٍ لمواجهة الأزمة.

الإمبراطورية تردّ الهجوم
تصرّ الولايات المتحدة على أن حماية الملكية الفكرية هي الطريقة الأمثل لتأمين «التوزيع السريع» للّقاح، أما الاتحاد الأوروبي فيدّعي أنه «لا يوجد إثبات أن حقوق الملكية الفكرية تشكل عائقاً أمام وصول الأدوية والتكنولوجيا المتعلّقة بكوفيد-19 إلى جميع البشر». كما ترفض بريطانيا اقتراح التخلي عن الملكية الفكرية بحجّة أنه «إجراء متطرّف موجّه إلى حل مشكلة غير مثبت وجودها».
ويدّعي المدير العام للاتحاد الدولي لرابطة صانعي الأدوية، أن هذا الاقتراح «سيعرّض الابتكار الطبي المستقبلي للخطر، ما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بأمراض أخرى»، كما استنكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الاقتراح ووصفته بأنه «سرقة عالمية لحقوق لقاح كوفيد-19»، محذّرة من أن «هذا الأمر سيضرّ الجميع، بمن فيهم الفقراء». ونقلاً عن اتفاقية شركة AstraZeneca مع معهد Serum في الهند وشركات برازيلية، يؤكّد المعارضون أن الآليات الطوعية كافية، ويصرّون على أن مبادرة COVAX بين القطاعين العام والخاص تضمن التوزيع العادل والمنصف للّقاح.
لكن الولايات المتحدة رفضت الانضمام إلى مبادرة COVAX، وهو جزء من برنامج (ACT-A) «مسرّع الوصول إلى أدوات كوفيد- 19» المموّل من منظمة الصحة العالمية، والذي يبدو أنه ملتزم بـ«الوصول العادل إلى الأدوات المبتكرة المتعلّقة بكوفيد-19 للجميع».
فيما تضمن الدول ذات النفوذ والغنية حصولها على اللقاح، ستعجز الدول الفقيرة عن تأمينه للغالبية الفقيرة من شعوبها


الاحتيال في الملكية الفكرية
يغطي «إعلان الدوحة» براءات الاختراع فقط، متجاهلاً التكنولوجيا المسجّلة الملكية لتصنيع اللقاحات بشكل آمن، علماً بأنه لا يوجد اهتمام أو قدرة كافيان لإنتاج لقاحات تكفي جميع الناس بشكل آمن وبكلفة معقولة قبل عام 2024. فرغم «إعلان الدوحة»، لا تزال الدول النامية واقعة تحت ضغط كبير من قبل الاتحاد الأوروبي وأميركا. فالقواعد التي تسمح بـ«الترخيص الإجباري» مقيِّدة بشكل كبير، إذ تطلب من الدول التفاوض مع الشركات على عقود تشمل الأسعار والمهل الزمنية والأغراض من هذه العقود.
دولة جنوب أفريقيا تُعدّ مثالاً حول هذا الأمر من خلال تجربتها مع شركتَي Regeneron و Eli Lilly، اللتين خصّصتا معظم لقاحات الأجسام المضادة لـكوفيد-19 إلى الولايات المتحدة. والهند حجبت شركة Pfizer عبر أحكام قضائية للقاحات المكورات الرئوية البديلة من منظمة أطباء بلا حدود (MSF). أما في كوريا الجنوبية، فقد أجبرت شركة Pfizer شركة SK Bioscience على التوقف عن إنتاج لقاح المكورات الرئوية المتقارن (PCV).
ومن المؤكد أن براءات الاختراع ليست عاملاً ضرورياً للابتكار، فقد أظهرت مجلة Harvard Business Review أن قانون حقوق الملكية الفكرية يخنق عمليّة الابتكار. وفي الوقت نفسه، أدانت مجلة «إيكونوميست» عمليات استعمال براءات الاختراع بهدف الحصول على أرباح فقط، من خلال مقاضاة مخالفي قوانين براءات الاختراع أو ما يُعرف بـ«Patent Trolling» التي أدّت إلى تقليل مساهمة الصناديق الاستثمارية في الشركات الناشئة في هذا المجال وفي الإنفاق على الأبحاث والتطوير في الشركات الصغيرة.

الدعم الحكومي
لقاحات وتقنيات علاج كوفيد-19 مدينة بالكثير للاستثمار الحكومي، كما هو حال معظم العلاجات واللقاحات الأساسية. حتى إدارة ترامب خصّصت 10.5 مليارات دولار للشركات التي تعمل على تطوير لقاحات كوفيد-19.
كما تم تطوير لقاح شركة Moderna من خلال الشراكة مع المعهد الوطني للصحّة في أميركا. الأبحاث المموّلة حكومياً، في مختبرات المعهد، ومختبرات وزارة الدفاع بالإضافة إلى مختبرات أخرى تابعة لجامعات، تُعدّ عاملاً مهماً في عمليّة تسريع تطوير اللقاح في أميركا.
شركة Pfizer تلقّت 455 مليون دولار من الحكومة الألمانية، إضافة إلى التزامات شراء من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي مقابل نحو الـ6 مليارات دولار. أما AstraZeneca فقد تلقّت أكثر من 111 مليون دولار من الحكومة البريطانية، وأكثر من ملياري دولار من أميركا والاتحاد الأوروبي من أجل الأبحاث. هذه المساهمات أتت على شكل طلبات شراء مسبقة للّقاحات.
لكن رغم هذا التمويل الحكومي لمعظم الأدوية واللقاحات والذي يُعدّ شيئاً طبيعياً، فإن شركات «الفارما الكبرى» تحتفظ بالأرباح التي تجنيها من الاحتكارات التي تتمتع بها، عبر بوابة حقوق الملكية الفكرية.

الآليات الطوعية غير كافية
تسعى منظمة COVAX لشراء ملياري جرعة من اللقاحات لتوزيعها بشكل عادل بين الدول الغنية والفقيرة، لكنها لم تستطع أن تؤمّن أكثر من 700,000 جرعة حتى الآن. وقد عجزت الدول الأفقر، التي تضم 1.7 مليار شخص، عن تحمّل كلفة صفقة واحدة، في حين أن الدول الغنية حجزت لنفسها 6 مليارات جرعة.
اذاً، حتى لو حصلت COVAX على ملياري جرعة، فإن أقلّ من مليار منها سيذهب إلى الدول الفقيرة. وفي حال كانت اللقاحات تتطلب جرعتين، كما يتوقع الكثيرون، سيكون هذا الرقم كافياً لتغطية نصف مليار شخص فقط كحد أقصى.
وفي الوقت نفسه، يسعى عمل التشخيص في ACT-A المموّلة من قبل منظمة الصحة العالمية، إلى شراء 500 مليون اختبار، وهو فقط جزء صغير مما هو مطلوب. حتى لو تم تأمين تمويل هذا العمل بالكامل، وهو أمر بعيد عن الواقع، ولن يكون هذا الأمر أكثر من حلّ جزئي في أحسن الأحوال. فمع النقص الهائل في التمويل، لن يتم تحقيق هذه الأهداف المتواضعة. حتى الآن ، تم جمع 5 مليارات دولار فقط من أصل 43 مليار دولار لما تحتاج إليه البلدان الفقيرة لسنة 2021.

العمل الخيري المربح
حتى منتصف أكتوبر الماضي، لم تنضمّ أي شركة أدوية كبرى إلى تجمع الوصول إلى تكنولوجيا كوفيد-19 التابع لمنظمة الصحة العالمية (C-TAP) لتشجيع المساهمات في الملكية الفكرية والتقنيات والبيانات من أجل توسيع نطاق المشاركة في جميع أنحاء العالم وإنتاج كل هذه الاحتياجات.
وفي الوقت نفسه، تخلّت بعض الشركات «طوعاً» عن بعض حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها، ولو بشكل مؤقت. ووعدت شركة Moderna بترخيص براءات الاختراع المتعلقة بـكوفيد-19 لمصنّعي لقاحات آخرين ، من دون فرض براءات الاختراع التي حصلت عليها. لكن تعهدها محدود، ما سيسمح لها بفرض براءات اختراعها «بعد الجائحة»، كما اشترطت الشركة.
وإلى جانب الاستفادة من الترخيص على المدى الطويل، فإن تعهد شركة Moderna سيمكنها من تنمية سوق الـmRNA الجديد الذي تعتمد عليه أعمالها، من خلال إنشاء منصّة تحويلية لتعزيز العلاج بلقاحاتها، وتحقيق مكاسب لسنوات قادمة.
وأعلنت شركة AstraZeneca أن لقاحها الذي تم تطويره من خلال الأبحاث التي تمّت في جامعة أكسفورد، سيكون متاحاً بسعر الكلفة في بعض المناطق، حتى تموز 2021 فقط. كذلك، اتفقت شركة Eli Lilly مع مؤسسة Gates على توريد علاجها بالأجسام المضادة لكوفيد-19، من دون المطالبة بحقوق أرباح براءات الاختراع من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لكنها لم تحدّد عدد الجرعات، علماً بأن هذا العلاج ما زال تجريبياً.
في المحصّلة نذكّر بتحذير «برودون» منذ ما يقارب القرنين من الزمن: «الملكية هي السرقة».

*نشر هذا المقال موقع networkideas.org في 16 كانون الأول 2020