يأتي الحديث عن برنامج مع صندوق النقد الدولي مع ممرّ إجباريّ يتعلق بثلاث نقاط أساسية حدّدها الصندوق للبنان كمقدّمة تسبق توقيع أيّ برنامج معه. من دون تطبيق هذه النقاط الثلاث ضمن الأهداف التي يحدّدها الصندوق، لن يوافق الصندوق على منح لبنان أيّ قرض. المطلوب قبل أي شيء آخر: توحيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، تشريع قانون لضبط وتقييد حرية حركة رؤوس الأموال، والتوافق على تحديد الخسائر في إطار إصلاح النظام المصرفي. لاحقاً، ستكون الأولويات مختلفة لكنها أساسية أيضاً وتركّز على رفع الدعم عن كل السلع، وإقرار مسار واضح لخطة الكهرباء وتحرير التعرفة، وإنجاز موازنة عامة تتضمن تحديثاً للنفقات والإيرادات بعد التطورات الأخيرة التي ستنعكس عليها مباشرة مثل اعتماد سعر صرف جديد، وتداعيات جائحة كورونا، وسواها. استراتيجية الصندوق واضحة. فالشروط المسبقة قبل توقيع البرنامج ليست سوى مقدمة تليها لائحة طويلة من المطالب التي يقترن تنفيذها بالإفراج عن القرض المخصّص للبنان. وهذه الشروط المسبقة تبلّغها لبنان من ممثلي الصندوق أثناء المفاوضات التي جرت منتصف هذه السنة، علماً بأن ممثلي الصندوق لم يكتفوا بتحديد الشروط المسبقة واللاحقة، بل تطرقوا إلى الأهداف المطلوب تحقيقها من كلّ ما يتعلق ببرنامج القرض.
أصلاً الحلّ بحسب وصفة الصندوق، لا يختلف كثيراً عن مطالب النيوليبراليين الذين يعتقدون أن المخرج الوحيد للأزمة في لبنان هو الدفاع عن مصالحهم أولاً ثم تقطير المال العام على الفئات الأكثر هشاشة. قد يكون هذا الحلّ مقبولاً أكثر من المقترحات التي يحاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف فرضها كحلّ يمنح المصارف القدرة على الاستيلاء على ما تبقى من الأملاك العامة، لكنّه في أحسن الأحوال مسار قاسٍ اجتماعياً لأن ثمن خطواته المسبقة وما يليها مباشرة ستدفعه الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة.
عملياً، تمثّل ثلاثية الشروط المسبقة محاور خلافات محلية جوهرية. فالمصالح المتضاربة داخل النظام تريد شروطاً على قياسها، لا ضمن معايير اقتصادية ومالية ونقدية واضحة كالتي يحدّدها الصندوق. سواء كانت هذه المعايير ملائمة للبنان، أم أنها ستنزل كوباء على بعض الشرائح الاجتماعية، فإن الخلاف المحلّي حولها مرتبط ببنية المصالح وقوى النفوذ الاجتماعية ومواقع كلّ منها ضمن تركيبة النظام الحالي. لذا، لا تستحوذ مطالب الصندوق المسبقة، على الإجماع، بل يسعى كل طرف إلى اقتطاع ما يراه ملائماً لمصالحه ومصالح الطبقة التي يمثّلها. فالقيود على عمليات السحب والتحويل، أو ما يسمى الـ«كابيتال كونترول» هو أمر شبه مرفوض من فئة غالبيتها من الطبقة السياسية وكبار المودعين الذين يمنون النفس بأن التحويلات إلى الخارج قد تعود يوماً ما. وهناك فئة ثانية ترفض توحيد سعر الصرف بسبب الأثر الاجتماعي السلبي على المداخيل وعلى أسعار السلع والخدمات المستوردة. أما الخلاف الأكبر، فهو يكمن في التوافق على الخسائر وإصلاح النظام المصرفي. فمن المعروف أن آليات احتساب الخسائر لدى الصندوق شبه مماثلة لآليات الاحتساب لدى خطّة الحكومة التي تتناقض مع آليات الاحتساب التي يطالب بها سلامة والمصارف ولجنة المال والموازنة. وهذه الأخيرة هي التي عدّلت مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» بعد أشهر من إغفال المشروع رغم وضوح ملاحظات صندوق النقد الدولي وتحديد الأهداف منه. هناك هوّة كبيرة بين ما يسمى «حزب المصرف» وبين ما يسمى «حزب الصندوق». الأول يريد تقليص الخسائر وتأجيلها لتحميل الأجيال المقبلة كلفتها والاستيلاء على أملاك الدولة لتغطيتها، والثاني يريد الاعتراف بكل الخسائر ما يؤدّي عملياً إلى إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف، لكنه يرفض فكرة دعم الفقراء من أساسها ويمقت القطاع العام وموظفيه ومستعدّ للاستقواء بالصندوق على شركائه المحليين. التدقيق الجنائي ليس سوى نموذجاً بسيطاً في محور إعادة الهيكلة والاعتراف بالخسائر، لكن الخلاف حوله يتعلّق بأصل المشكلة انطلاقاً من تحديد الخسائر وتوزيعها. فإذا كان الاعتراف بالخسائر صعباً إلى هذه الدرجة، وإذا كانت الأطراف الأكثر استفادة ترفض تحمّل العبء الأكبر من الخسائر، فمن الواضح أن معركة إعادة هيكلة النظام المصرفي ستكون أشرس في مراحلها المختلفة سواء تقليص عدد المصارف وإعادة تكوين رساميلها وتحديد دورها ورسم سياسات نقدية قائمة على سعر صرف متحرّك ومرتفع أيضاً.
توحيد سعر الصرف يفاقم الاستحقاقات
يطلب صندوق النقد الدولي من الحكومة اللبنانية توحيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار. سعر الصرف كان ثابتاً على 1507.5 ليرات وسطياً منذ 1997 ولغاية مطلع 2019. في تلك الفترة بدأ يتحرّك السعر ضمن هوامش صغيرة جداً، لكن ثباته اختلّ بين 17 تشرين الأول 2019، وبعد إعلان الحكومة التوقف عن السداد في آذار الماضي. بين هذين الحدثين، أفلت مصرف لبنان الكتل النقدية على مصراعيها مفسحاً المجال لنشوء سوق موازية لسعر الصرف. لاحقاً أعاد تثبيت سيطرته على قسم من السوق، فمنح الصرافين 900 ألف دولار يومياً لتغطية قسم من الطلب على الدولار بسعر 3900 ليرة، وحرّر قسماً من الودائع في المصارف على سعر 3000 ليرة ثم 3900 ليرة، وترك السوق تعمل وفق الفوضى الخاصة بها حتى بلغ سعر الصرف 10000 ليرة (اليوم انخفض إلى 8500 ليرة)، لا بل هو غذّى هذه السوق عبر إصدارات النقد وتضخيم الكتلة النقدية المتداولة. وفي المقابل، استمرّ دعم استيراد المواد الأساسية من محروقات وقمح ودواء ومستلزمات طبية على سعر الصرف السابق المثبت، أي على 1507.5 ليرات وسطياً. لذا، بات هناك الكثير من الأسواق، والكثير من الأسعار التي تتحكّم بها عوامل متباينة.

171 ألف مليار ليرة

هو الفرق بين الخسائر التي اعتمدتها الحكومة بقيمة 241 ألف مليار ليرة والتي يميل إليها صندوق النقد الدولي، وبين 70 ألف مليار ليرة هي قيمة الخسائر التي اعتمدتها لجنة المال والموازنة


استناداً إلى تجارب سابقة في بلدان مختلفة، فإن صندوق النقد الدولي يرى أن هناك طريقتين لتوحيد سعر الصرف:
- الطريقة الأولى هي التوحيد السريع، وهو ما حدث مثلاً في فينزويلا والأرجنتين والمكسيك في ثمانينات القرن الماضي. وكان ذلك إما عبر تعويم سعر الصرف بشكل فوري، أو عبر إدخال سعر صرف جديد ثابت مخفّض.
- الطريقة الثانية، تعتمد التوحيد التدريجي لسعر الصرف، وهو ما حدث في تركيا على مدى عقد كامل من الزمن في ثمانينات القرن الماضي. آنذاك كانت تركيا قد بدأت بخطوة التحكم بالاستيراد لمنع نزف العملات الصعبة إلى الخارج، ثم طبقت خطّتها على مرحلتين. الأولى هي توحيد سعر الصرف على العمليات التي تصنّف في إطار الحساب الجاري. والثانية هي التوحيد الشامل لسعر الصرف. خلال هاتين المرحلتين قامت الدولة بعدّة خطوات منها اعتماد إدارة مرنة لسعر الصرف للحفاظ على سعر واقعي، والتحرير التدريجي للاستيراد من القيود التي كانت قد فرضتها عليه، وفي المراحل الأخيرة تم تخفيف الضوابط على العمليات التي تصنّف تحت حساب رأس المال. بكلام أوضح، إن تحرير سعر الصرف يترافق مع قيود على الاستيراد والتصدير.
حتى الآن ليس واضحاً ما هي الطريقة التي يميل الصندوق إلى اعتمادها لتوحيد سعر الصرف في لبنان، لكن الترجيح أن تُعتَمد الطريقة الأولى في التوحيد الفوري. هذا يعني أنه ستكون هناك تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة. وهي تداعيات تفاقمت أصلاً بفعل جائحة كورونا والإغلاق المتكرّر للنشاطات الاقتصادية أو لبعض المناطق. فإذا جرى توحيد سعر الصرف مباشرة، فإنّ الجزء المتعلّق بدعم استيراد السلع الأساسية (محروقات وقمح ودواء...) يفترض أن يتوقف نهائياً وأن يتم تحرير الأسعار. بمعنى آخر، لا يمكن تحرير سعر الصرف من دون تحرير كل الأسعار الأخرى. وبالتالي سيكون التضخّم هو النتيجة الأهم التي ستنجم عن هذه الخطوة في سوق تتسم بتركّز احتكاري مرتفع وبرغبة واسعة وجامحة للمضاربة على كل ريع متاح.

قوانين الكابيتال كونترول تتضمّن عادة بنوداً تهدف إلى إجبار الأفراد على إعادة أرباحهم بالعملة الصعبة

فهل سيكون توحيد السعر هو نتيجة تضخم الأسعار السابق أم سيكون مسبّباً لإطلاق موجة جديدة من تضخّم الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك، ستتّسع مروحة التداعيات الناجمة عن توحيد سعر الصرف الفوري لتزيد كلفة الاستشفاء على عاتق الصناديق الضامنة، ما يعني زيادة النفقات من الخزينة العامة بالنسبة للصناديق التي تُغذى من الخزينة، أو زيادة الاشتراكات المترتبة على العمال وأصحاب العمل بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فإذا كانت النتيجة إسهاماً أكبر في صرف العمال، ستكون النتيجة كارثة اجتماعية ومزيداً من الفقر. كما أن رفع الدعم عن المحروقات سيكون له أثر أوسع على القطاعات التي تعتمد على النقل ما يزيد كلفة إتمام التعاملات التجارية ويعمّق الهوّة بين المناطق المُدُنيّة والأطراف.
كذلك، سيكون لتوحيد سعر الصرف أثر كبير على ميزانيات المصارف والتزاماتها تجاه المودعين، فضلاً عن زيادة نسبة القروض المتعثّرة والخسائر الناتجة منها. وتوحيد سعر الصرف يعني زيادة الدولار الجمركي، وتسديد النفقات على أساسه.


موازنة 2021: الدولار الجمركي والقطاع العام؟
كان أحد مطالب صندوق النقد الدولي الأساسية هو إنجاز مراجعة لموازنة 2020 تتضمن مجموعة من التعديلات التي تتلاءم مع التطورات التي حصلت بفعل توقف لبنان عن السداد وجائحة كورونا. بمعنى آخر، يجب أن تأخذ الموازنة في الاعتبار أن أرقام الإيرادات والنفقات ستتغيّر، وأن تتضمن ما يسمّيه الصندوق «إصلاحات هيكلية» هدفها الأساسي تقليص القطاع العام وكلفته على الخزينة، وأن تكون محتسبة على أساس سعر الصرف الجديد الموحّد، وأن تُحتسب تداعيات جائحة كورونا في الإطار العام لهذه الموازنة. وبما أنه قد مضت الأيام من دون إنجاز هذا الأمر بينما استمرّ السجال حول الخسائر وآليات احتسابها وتوزيعها من دون أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإن شرط تضمين الموازنة كل هذه العناصر ليس قابلاً للمساومة مع الصندوق، بل سيكون حاضراً أثناء إعداد مشروع موازنة 2021 التي تأخّرت بالفعل عن مواعيدها الدستورية. هناك شكوك وفوضى وضياع في إعداد الموازنة: فعلى أي أسس ستعتمد أرقامها، وبأي سعر صرف، وبأي وجهة؟ الأسئلة مثارة لأن صندوق النقد الدولي يريد قطع رأس نظام التقاعد في القطاع العام، ولأنه يريد تحرير تعرفة الكهرباء ورفع باقي أنواع الدعم المقدّمة بواسطة الخزينة وحصرها في مجال الإمدادات المالية للفقراء المصنفين بما لا يزيد عن 1% من الناتج المحلي أو ما يوازي 200 مليون دولار في الحدّ الأقصى. ثمة الكثير من الأسئلة التي تصيب موازنة 2021 لكن لا إجابات عليها لدى أحد.
الاتّفاق على الخسائر وتوزيعها: حزب المصرف متقدّم
من شروط صندوق النقد الدولي المسبقة لأي برنامج تعاون معه، الاتفاق على الخسائر في إطار حل شامل للنظام المصرفي. هذا الأمر هو أحد مفاتيح التعافي، كما يعتقد الصندوق. لكن هناك أكثر من وجهة محلية في هذا المجال. فالحكومة، وضمن خطّة التعافي، اعتبرت أن قيمة الخسائر تبلغ 241 ألف مليار ليرة، في مقابل لجنة منبثقة عن لجنة المال والموازنة اعتبرت أن قيمة الخسائر لا تتجاوز 70 ألف مليار ليرة. الفرق بينهما هائل، وهو الذي دفع إلى إطلاق تسميات على كلا الطرفين: «حزب الصندوق» الممثّل في الحكومة ومستشاريها وبعض كبار موظّفيها (غالبية المستشارين والموظفين استقالوا)، في مقابل «حزب المصرف» الذي يتألف من حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف وعدد من المراجع السياسية والوزراء والنواب في لجنة المال وخارجها أيضاً. أصل الخلاف هنا يتعلق بمن سيدفع كلفة توزيع الخسائر. الصندوق يطالب بالاتفاق على توحيد الخسائر كشرط مسبق لأي برنامج، لكنه كاد أن يلامس الأرقام التي حدّدتها الحكومة لهذه الخسائر، وهو على انسجام كلّي مع طروحات الحكومة لتوزيع هذه الخسائر، إذ أنه يرفض أن تكون هناك عملية إنقاذ بواسطة المال العام، ويوافق على تغطية الخسائر برساميل المصارف وبالودائع وبهندسات مالية أخرى إذا تطلّب الأمر ذلك. أصلاً مطلب الصندوق بتوحيد سعر الصرف هو مفتاح زيادة الخسائر في القطاع المصرفي. فالكلّ غارق حتى أذنيه في الالتزامات بالدولار. المصارف عليها التزامات بالدولار هائلة تصل إلى 110 مليارات دولار، ومصرف لبنان عليه التزامات هائلة بالدولار تجاه المصارف تفوق 80 مليار دولار.
ما هو انعكاس توحيد سعر الصرف على الخزينة والقطاع الخاص؟


أخيراً برز إلى واجهة «حزب المصرف» رئيس الحكومة سعد الحريري. حاول فريق الحريري التواصل مع ممثلي صندوق النقد الدولي وطلب منهم الموافقة على مسار يؤدي إلى تقليص الخسائر، إلا أن الصندوق رفض هذا الأمر مطلقاً. الحريري كان واضحاً في رغبته بوجود واستمرار رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، لكنه في المقابل يريد اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي على برنامج يقترض بموجبه لبنان مليارات الدولار التي ستكون بمثابة مقدّمة لاقتراض المزيد من دول أوروبا ومن مانحين دوليين آخرين. في اعتقاد الحريري وفريقه أن استعادة «الثقة» واستعادة «التدفقات» لا تكون إلّا عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي. باختصار الحريري يعيش حالة فصام قويّة بين رغبته في بقاء سلامة وبين سعيه للاتفاق على برنامج مع صندوق النقد، هذا على افتراض أنها عوائق سياسية جوهرية تزيد الشرخ بين رغباته ومساعي الآخرين.
في الواقع، يعيش طرفا المعادلة: حزب المصرف وحزب الصندوق، أزمة هويّة حقيقية تتمحور حول تصحيح النظام المنهار، أو إعادة إنتاجه بأشكال مختلفة أو بأشكال منظّمة أكثر وأكثر انسجاماً مع الأيديولوجيات التي يُبنى عليها الاقتصاد الحر. حزب الصندوق يعتقد أن لبنان يعيش حالة فوضوية من النيوليبرالية، بينما تجب إعادته إلى حالة النيوليبرالية المتوحشة فقط حيث يعيش الجميع وفق قواعد واضحة تحدّد من يرتقي اجتماعياً واقتصادياً، ومن ينحدر إلى الهاوية.
لكن بما أن الطرفين لم يتّفقا بعد على الوجهة المستقبلية، يواصل سلامة تطبيق خطّة حزب المصرف القائمة على لبننة الودائع في ظل أسعار صرف متعدّدة بهدف تقليص ميزانيات المصارف.

تقييد الطلب على الدولار وإعادة الأموال
تدّعي لجنة المال والموازنة أنها أنجزت مشروع قانون لوضع قيود وضوابط على عمليات السحب والتحويل (كابيتال كونترول) ينسجم مع متطلبات صندوق النقد الدولي انطلاقاً من الملاحظات التي وضعها هذا الأخير أثناء النقاشات مع ممثلي لبنان في المفاوضات التي جرت هذا العام. لم يظهر المشروع إلى العلن بعد، لكن ملاحظات صندوق النقد معروفة. ففي تقرير تلقّته وزارة المال أثناء جلسات التفاوض مع الصندوق قبل بضعة أشهر، تبيّن أن الهدف الأساسي من وضع القانون، هو حماية توحيد سعر الصرف. فالصندوق يرى أن التوحيد خطوة أساسية لاستقرار الاقتصاد، لذا يعتقد أن خفض قيمة الليرة يجب أن يترافق مع تقييد الطلب على الدولار. من وجهة نظر الصندوق، فإن مشروع الكابيتال كونترول بصيغته الأولية لم يكن كافياً لتحقيق هذه الحماية، لأنه «لن يمنع الطلب على الدولار من خارج النظام المصرفي لتخزينه في المنازل، ما يزيد الضغط على الطلب وبالتالي يخفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار أكثر». في هذا الإطار يقترح الصندوق تقييد عمليات شراء الدولار نقداً بالليرة من خلال نصّ واضح في القانون.
ومن الأمور الأساسية التي يجب أن يتّسم بها قانون الكابيتال كونترول، بحسب الصندوق، أن تكون هناك مرونة كافية للحكومة ولمصرف لبنان من أجل التحرّك بشكل سريع استجابة لأي طارئ، مثل جائحة كورونا، أو أي أحداث مماثلة بتداعياتها. الهدف أن تتاح الاستجابة السريعة لتغيير طارئ على صعيد الاقتصاد.
كذلك، انتقد الصندوق الغموض في تعيين الجهات المسؤولة عن مراقبة بعض التطورات. فمن غير الواضح من هي الجهة المخوّلة مراقبة السيولة لدى المصارف والطلب على العملات الأجنبية وعمليات التحايل التي قد يلجأ إليها البعض. بالإضافة إلى ذلك، هناك غموض أيضاً في الجهة المسؤولة عن مراقبة الوثائق المطلوبة للحصول على إعفاءات من القيود للقيام بدفعات مصرح عنها.
من وجهة نظر الصندوق، ركّزت الصيغة الأولية من المشروع على القنوات الواضحة التي يتم من خلالها إخراج الدولار من البلد بواسطة التحويلات التي تحصل بين المصارف المحلية والمصارف الأجنبية، لكن أغفلت عمليات تدفق الأموال التي تحصل بين المقيمين، بما فيها الدفعات التي تحدث لدى النظام المصرفي المحلّي أو من خلال مصارف خارجية. واللافت أن الصندوق أشار بوضوح إلى أن قوانين الكابيتال كونترول تتضمن، عادة، بنوداً عن إعادة أموال المقيمين من الخارج، إذ يُجبر الأفراد على إعادة أرباحهم بالعملات الأجنبية من المصارف الخارجية إلى النظام المصرفي المحلي. وفي بعض الأحيان يجبر القانون هؤلاء على تحويل هذه الأموال إلى العملة الوطنية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا