ورد في الخطة الشاملة لترتيب الأراضي الصادرة في 2005 بمشاركة مجموعة واسعة من خبراء الاقتصاد، ما يشير بوضوح إلى أن النموذج القائم في لبنان لا يمكنه الاستمرار إلى ما لا نهاية، بل رسمت هذه الخطة في فقرة التحديات، تشخيصاً دقيقاً للوضع الاقتصادي في لبنان وآفاق الإفلاس الذي نمرّ به اليوم ونتائجه. فقد أشارت، باختصار، إلى أن أنه لا يمكن أن يستمر الاختلال في مداخيل أي بلد مع قيمة ما ينتجه، لافتة إلى أن تساوي المداخيل والإنتاج قد يتم عبر المستوى الأدنى، أي انخفاض المداخيل وانعدام القدرة على الاحتفاظ بالرساميل ما سبب ركوداً اقتصادياً وهجرة.هذا ما ورد في الخطة الشاملة لترتيب الأراضي:

آفاق الاقتصاد الكلّي
شأنه شأن كل البلدان الصغيرة ذات الاقتصاد المنفتح على العالم، فإن لبنان حساس جداً تجاه التغيرات التي يمكن أن تطرأ على سعر المنتجات القابلة للاستيراد والتصدير، لأن أسعار هذه المنتجات لا تخضع إلى قواعد العرض والطلب الداخلية، بل هي مفروضة من الخارج.
الاتجاه العام في السنوات المقبلة سيميل نحو انخفاض هذه الأسعار بسبب آفاق العولمة وإلغاء الحواجز الجمركية. وهذا التحوّل يمثّل تحدّياً جسيماً بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني إذ أن انخفاض أسعار السلع المستوردة يهدّد الإنتاج اللبناني لهذه الأنواع من السلع، ويشجّع في الوقت نفسه على استهلاكها.
هناك خطر حقيقي في أن نرى بعض القطاعات الإنتاجية يتدهور بفعل هذه المنافسة، ما يؤدي إلى تركيز الجزء الأساسي من الإنتاج اللبناني من الأنشطة غير الخاضعة للمنافسة الدولية (منتجات وخدمات غير قابلة للاستيراد والتصدير: خدمات للأشخاص، مقاولات،…). إن هكذا تحوّل سيؤدّي بالضرورة إلى خفض كتلة المداخيل التي يمكن أن يحصل عليها اللبنانيون من الإنتاج الوطني.
أمام هذا التحدّي يتوجب بذل جهود كثيرة للحفاظ على مستوى معيشي مقبول للبنانيين. أما الوضع الراهن حيث تتجاوز مداخيل لبنان بـ20% قيمة ما ينتج (المحاسبة العمومية 1997)، فهو لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، لأن هذا الفائض من المداخيل هو بشكل أساسي ناتج من القروض.
إن مدخول أي بلد لا بدّ أن يوازي في النهاية قيمة ما ينتجه. وفي حالة لبنان الخاصة، فإن تساوي المداخيل والإنتاج يمكن أن يتم تبعاً لسيناريوهات مختلفة:
إما أن يرى لبنان مداخيله تنخفض لأنه لا ينتج كفاية ولم يعد يستطيع الاحتفاظ بالرساميل، وفي هذه الحالة إن عمليات الاستيراد ستنتهي إلى الانخفاض، ولكن سعر السلعة المحلية غير المستوردة سينخفض أيضاً. وبالتالي فإن التوازن سيتم على المستوى الأكثر تدنياً. هذا هو التصويب الأكثر عفوية ولكنه الأقل فائدة ومن الممكن في هذه الحالة أن تشهد الحركة تجدّداً للهجرة بسبب حالة الركود الاقتصادي. وبالتالي فإن المقيمين الأقل عدداً والأقل تطلباً سيتقاسمون المداخيل المتوافرة. إنه تصويب «من تحت» أي في الحدّ الأدنى، إلا أن كلفته عالية نتيجة لخسائر الطاقة البشرية، أو أن ينجح لبنان، في مهلة قصيرة، في زيادة قدرته التنافسية في ميدان المنتجات الخاضعة للمنافسة الدولية (سلع قابلة للاستيراد والتصدير): في هذه الحالة تكون الصورة أصعب ولكنها أكثر نفعاً. غير أن إدارة المرحلة الانتقالية في سيناريو كهذا سوف تواجه تحديات جساماً.
إن الأفق الأكثر فائدة قد يكون ذلك الذي يتمثّل في التلازم ما بين وتيرة سريعة في زيادة القدرة التنافسية للإنتاج المحلي من جهة، ووتيرة بطيئة في انخفاض أسعار السلع المستوردة من جهة أخرى. لذلك يجب العمل على خفض الأكلاف الداخيلة (عقارات، خدمات إدارية، طاقة…) التي ما زالت مرتفعة جداً في لبنان قياساً إلى أكلاف السلع المشابهة في مختلف بلدان المنطقة وحتى عبر العالم.