«عذابك مش راحة».. حولت جمعية «الف» التعبير الأكثر شعبية، «عذابك راحة»، والمستخدم بإفراط في حياتنا اليومية، بهدف لفت الانتباه الى أن التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية، يجب ألا يبقى ظاهرة مترسخة في المجتمع اللبناني. الحملة تطرح على الجمهور سؤالاً مهماً: هل التعرض للتعذيب حقاً راحة؟ وهل من المقبول الاحساس بالراحة عبر تعذيب الآخرين؟ السؤال سيطرح عبر لوحات على الطرقات وإعلان تلفزيوني اواخر هذا الشهر، وضمن فيلم قصير سيعرض في ايلول المقبل.
الاعلان عن الحملة لم يكن البند الوحيد على جدول المؤتمر الذي عقدته الجمعية في فندق كراون بلازا في بيروت، أمس، بل تضمن اطلاق تقرير «السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية للعنف وتأثيرها في قبول التعذيب في لبنان». وهو يركز على مظاهر العنف في لبنان طوال العقد الماضي (٢٠٠٠- ٢٠١٠) والتحقيق في آثارها على التعذيب في لبنان. يبين التقرير أن العنف متجذر في صلب المجتمع اللبناني، والممارسات العنيفة من قبيل التعذيب وسوء المعاملة هي في الغالب مقبولة، اذ تعدّ وسيلة لمعاقبة المجرمين المزعومين، وبالتالي يتجلى هذا الاقتناع في اللغة التي يستخدمها اللبنانيون في حياتهم اليومية. والمفاهيم ضد العنف ليست سائدة بينهم، اذ يقبلون الممارسات العنيفة في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويضيف التقرير: «ان ضعف سيادة القانون غير ملائم لحماية حريات المواطنين والمهاجرين ومصالحهم، بالاضافة الى ان الافلات من العقاب، والمحسوبية والفساد، يجعل من المستحيل محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مما يفاقم وضع ممارسات التعذيب في لبنان ويساهم في انتشار التعذيب الواسع النطاق وتبريره من مختلف الاطراف». وبحسب التقرير «بلغ معدل الخطاب العنيف والداعي إلى الكراهية أعلى نسبة له (٣٥.٤٢٪) بين من شملهم الاستطلاع حول ابرز مشاكل العنف، مع معدل شدة العنف الذي بلغ ٤.٢٩ (على مقياس من ١ لا عنفي الى ٥ عنيف جداً).
ويضيف التقرير «خلال عام ٢٠٠٩ حصّل لبنان مجموع ٩٠.٩ نقطة على ١٢٠» (الرقم ١٢٠ يدل على بلد فاشل كلياً) حسب مؤشر الدول الفاشلة.
وفي الاستطلاع، يحتل العنف السياسي ٢٣.١٣٪ من الاجابات عندما يسأل عن العنف. وذكر ٢٦.٢٧٪ انهم يعرفون شخصاً واحداً على الاقل تعرض للضرب لدى الاجهزة الامنية الرسمية (٦٥٪ من الاجابات) أو أجهزة الامر الواقع (٣٥٪). من ناحية اخرى، اشار ٣٤.٢٢٪ من المستطلعين إلى ان خطاب العنف لا يؤثر على قرارهم في اتباع زعيم سياسي، فيما اشار ٩.٨٨٪ الى تأثرهم بنحو ايجابي.
وأظهر الاستبيان ان العنف المنزلي يأتي في المقام الأول. وعلى مقياس من ١ إلى ٥ من مدى عنف العلاقات بين الزوجين ومع الاطفال وداخل الاسرة، كانت النتائج على النحو الآتي: معدل الرجال ٣.١١ (الزوجين) ٢.٨٣ (الاطفال)، و ٢.٦٨ (الاسرة). بينما يأتي معدل النساء مرتفعاً اذ بلغ ٣.٥٧ (للزوجين) ٣.١٢ (للاطفال) و ٣.١٤ (للاسرة). وتختلف الاجابات الى حد كبير اذا نظرنا الى طائفة المجيبين، فيأتي الدروز في المرتبة الأولى ويرون هذه العلاقات هي الاعنف: ٣.١١ (للزوجين) ٣.٤٣ (للاطفال) و ٣.٢٧ (للاسرة)، ثم يأتي المسيحيون، ثم السنة وأخيراً الشيعة الذين يرونها الاقل عنفاً ٣.١١ (للزوجين) ٢.٧٠ (للاطفال) و٢.٧٦ (للاسرة).



فئات مهددة

أعد التقرير فريق من الباحثين ضم د. ايلي هندي، فادي سرياني، وريتا بومصلح. وقدمته خلال المؤتمر مديرة جمعية «الف» دارين الحاج. كذلك اسهمت مؤسسة «احصاءات لبنان» في تقديم المعطيات الاحصائية. ويلفت التقرير الى ان «ثمة فئات محددة من الجماعات في لبنان معرضة لمخاطر التعذيب (اللاجئون، العمال المهاجرون، الاشخاص المتاجر بهم/ن، المثليون، وبعض الصحافيين)، وذلك بسبب شيوع الإقصاء فضلاً عن التمييز. وفي تركيز اكثر وضوحاً على الفئات، يقول التقرير إن «المتشددين الاسلاميين والافراد المشتبه في تعاونهم مع اسرائيل يعانون من مخاطر التعذيب نظراً الى اعتبارهم يمثّلون خطراً على الامن القومي».