في شارع الجاموس في ضاحية بيروت الجنوبية، لا تخفّ زحمة «البشر» أمام ملحمة ياسين. الكل «زاحف» إليها، فهي لا تشبه أية ملحمة أخرى في الشارع نفسه أو في الشوارع المجاورة. هناك، في تلك الملحمة، يباع لحم طائر النعام. هذا اللحم الذي بات له عشاقه، ممن «يستهويهم طعمه الطري ومذاقه الشهي في الوجبات الغذائية من جهة، وغناه بالبروتين وخلوّه من الدهون ـ باستثناء نسبة لا تتعدى 2% ـ من جهة ثانية»، يقول صاحب الملحمة محمد ياسين. يؤكد الرجل الذي اشتهر بتربية النعام «أن لحم هذا الطائر من الأنواع السريعة الطهو واللذيذة والتي تزخر بالقيمة الغذائية التي تعوّض النقص الشديد في الطاقة لكونها غنية بالحديد والبروتين، وشبه خالية من الدهون الموجودة في سواها من اللحوم». ويشير إلى أنه أيضاً «من اللحوم التي تنصح بها المنظمة الأميركية للتغذية لأمراض القلب والسرطان والسكري، وذلك بسبب التوازن المثالي لمادة الـ(PH) فيها».من المزرعة في اللبوة في البقاع الشمالي، ينقل طائر النعام إلى بيروت، حيث يذبح ويباع لحمه طازجاً، لإعداد المقبلات اللبنانية على اختلافها مع بعض الوجبات الغذائية «كالكفتة والكبّة النيّة، والكباب والبرغر». وفي حالات أخرى، يصنّع ويحوّل إلى أنواع أخرى من الوجبات كالسجق والمرتديلا والجومبون والإسكالوب.
كل تلك الأنواع، باتت وجبات معروفة لدى البعض، ولم تبق حكراً على السوق اللبنانية التي «ما زالت محدودة الاستهلاك، فيما أصبحت منتجاً لبنانياً يصدر إلى دول الخليج العربي»، حسب ما يؤكد المهندس علي ناصر الدين. ويلفت إلى أن «شريحة محدودة من اللبنانيين تعرف لحم النعام ومدى فوائده الغذائية، فيما تُعَدّ الدول الخليجية من أكثر الدول استيراداً لها». مع ذلك، تبقى الكمية المصدرة إلى تلك الدول «محدودة»، وتنتظر لفتة من الدولة. صحيح أن طائر النعام معروف بعدائيته، ومهاجمته ورفسه لكل من يقترب من حظيرته، إلا أن فوائد ذلك الطائر متنوعة ولا تقتصر على لحمه وحده. فقد أقدم ياسين على تصنيع بعض المواد العضوية الفريدة. فالمادة الدهنية الموجودة في جسم النعام، يمكن تصنيعها وفق معايير طبية لتتحول إلى مستحضر «زيت النعام» التجميلي والعلاجي، كما يشير ناصر الدين، مؤكداً أن الخواص الغنية الفريدة الموجودة في زيت النعام من أوميغا 3 و6 و9 هي من المواد التي «تحمي وتعالج البشرة وأوجاع المفاصل (الروماتيزم)». ليس هذا فحسب، فقد أشار ناصر الدين إلى أن المستحضر يستعمل لعلاج التشققات الجلدية وأمراض الصدفية والأكزيما، وحتى الحمو وحب الشباب والحروق على أنواعها.
إلى جانب كل هذا، يبقى أن لطائر النعام ريشاً على درجة عالية من الجمالية... والرفاهية والراحة، لوسادة هنا أو وزينة هناك، في حين أن أهداب عيون النعام تباع لمحالّ الفوبيجو بغية استعمالها من قبل النسوة كأهداب لعيونهن. أما عظام ساقيه وجسمه فتستخدم في تصنيع وزخرفة بعض الأدوات المنزلية الخاصة بالمطبخ بعد حفرها وتلبيسها.