في حديقة المتحف الوطني في دمشق، يجتمع بعض الناشطين بصورة دورية. يتبادلون الهموم ويفكرون في سبل حماية آثار بلادهم، آخذين في الاعتبار أن النار تلتهم الهشيم ولن يتمكن أحد من إيقاف جنونها، وكل ما يمكن أن يفعلوه هو التوثيق الدقيق للأماكن الأثرية التي تُدمَّر. يؤكد أحد الناشطين في مجال حماية التراث السوري أنّ حجم الدمار في حلب يتجاوز ما كتب في الإعلام وما أكدته المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا. فالدمار «يبدأ من القذائف التي ضربت بوابة قلعة حلب الشهيرة ولا ينتهي بالتفجيرات التي حصلت قبل أيام. ومن حسن حظ المتحف الوطني في حلب أنّه لم يمسّ بصورة مباشرة، رغم أن لا مسافة بعيدة تفصله عن أماكن الانفجارات في حي الجميلية». يستدرك: «لكن هذا لا يعني أنه في أمان لأن الخطر يحدق بكل سوريا ويزداد في حلب وتحديداً الأماكن الأثرية التي يلجأ إليها المسلّحون ويتخذون منها متاريس على أمل أن تحميهم من نيران الجيش السوري، لكن من دون جدوى». ويضيف الرجل أنّ «القطع النادرة من الآثار الموجودة في حلب ليست بأمان؛ لأنها نُقلت، بحسب معلومات ومصادر رسمية، إلى مناطق لا أحد يعرف أين هي بقصد حمايتها، إضافة إلى وضع حراسة دائمة ومشددة عليها». لكن الناشط يلفت إلى أنّ «هذه الآثار لم تؤرشف إلكترونياً وبحسب الأصول والأعراف السائدة في مثل هذه الحالة، كما أنّ صورها لم توثّق، وبالتالي فإنّ فقدان أي قطعة لن يُكتشف لأنه ليس له أرشيف يمكّن الجهات المتخصصة من البحث عنه ومحاولة إعادته» .
وبالنسبة إلى المواقع المدمرة، ينفي المصدر أن تكون تصريحات المديرية العامة للآثار والمتاحف بشأن احتراق 150 متجراً فقط صحيحة، مؤكداً أن القصف والحريق الذي شبّ في أسواق حلب القديمة قضىا على 1500 محل من أصل 1600 هي مجمل المحالّ في الأسواق. ويقول إنّ الدمار لحق بسوق العتمة وسوق العطارين والعبجي وخان النحاسين. ومعلوم أنّ أسواق حلب ذات تخطيط بيزنطي وقد شيّدت ووسعت في العصر الإسلامي وهي أحد المعالم المهمة التي لم يسبق لسائح أن زار حلب من دون أن يمر بها. ويشير الناشط إلى أنّ الكنائس والمساجد لم تسلم من الدمار، مؤكّداً حرقاً مقصوداً لكنيسة السريان في حلب وكذلك مسجد المهمندار الذي يعود إلى القرن الثالث عشر ميلادي ومسجد الإسماعيلية الذي شيده العثمانيون في القرن الثامن عشر، إضافة إلى الدمار الشامل الذي لحق بقصر دار زمريا القديم وهو أعرق القصور التي شيدت في فترة الحكم العثماني. أما المواقع المنتشرة حول حلب، فلم يسلم منها باب قنسرين أو معسكر يا شابور (بحسب اللغة الفارسية) ويقع على بعد 25 كلم عن حلب. وقد دمر أيضاً الموقع الأثري الذي عثر فيه على مملكة آرفادا الآرامية التي تقع في ريف حلب في منطقة تل رفعت ويعود تشييدها إلى الألف الثاني قبل الميلاد. هكذا، تخسر عاصمة الشمال معالمها الأثرية، وما زال مسلسل الدمار مستمراً، فهل من تعقل ينقذ هذا التاريخ الذي يمحوه جنون آلات الدمار؟