كانت أكياس الماش البلدي تحتل ركناً أساسياً في كل بيت جنوبي، لما للطبق المعدّ منها من صدى على «مستوى» النكهة والفائدة والفيتامينات. فكان يضاف إلى المائدة الجنوبية، مدلّلاً بين البقوليات القرنيات، كالفاصولياء واللوبياء والعدس والفول وغيرها.
وكانت زراعته «صيفية»، يقول المزارع عبد الله علي أحمد من كفررمان، منتقلاً للحديث عن أماكن زراعته «في بلدة كفررمان في سهل الميذنة (النبطية) وفي سهل الخيام قرب مرجعيون». وتُعَدّ زراعته في روزنامة الفلاحين «لقّيسة»، أي متأخرة؛ إذ يرمي المزارعون بذوره في الحقول المروية والقريبة من منابع المياه في شهر تموز، ثم يعمدون بعد نحو ثلاثة أشهر من الري والاهتمام إلى حصده بعد يباسه، ثم درسه وغربلة الحبّ عن التبن. الماش حبّ صغير كـ«الكرسنّة» الكبيرة. أخضر برّاق وله «عين كعين اللوبياء مكحّل ببياض». ونبتته كنبتة اللّوبياء (المسلات أو العاقلة) وهو أصلاً من نبات اليمن، ويسمى هناك بالأقطن. أما ميزاته، فهو أنه «طيب الطعم ويتميز عن البقول الأخرى بأنه لا يسبب نفخاً في المعدة». ومع تراجع عدد المزارعين في سهلي الميذنة والخيام، بسبب «فاعلية» الاحتلال الإسرائيلي على هذين السهلين لسنوات طويلة بين 1982 و2000، تراجعت هذه الزراعة، وبات الماش البلدي من البقول النادرة. ولهذا السبب، يباع الكيلوغرام الواحد من البلدي بين ستة وثمانية آلاف ليرة، أما سعر الكيلوغرام من الماش المستورد فيراوح بين أربعة وخمسة آلاف ليرة. لا يعرف علي أحمد المنبت الأصلي لهذه الزراعة أو مصدرها، لكن «ما أعرفه أن كفررمان كانت تنفرد بزراعتها مع الخيام، وتنتج من الماش كميات كبيرة تباع في الأسواق الجنوبية، ولا سيما في سوق الاثنين في النبطية، وهو مادة أساسية من حبوب المؤونة، حتى إن المزارع بحد ذاته كان يبقي كمية أساسية في بيته للأكل والزرع».
أما المأكولات التي تصنع منه فعديدة. والأسهل هو «سلقه وتحضير حوائج الكمونة إلى جانبه وهي التي تحتوي على الكمون والنعنع والبصل والمردكوش والحبق والفلفل الحار والبرغل»، تقول أم يوسف سلامة. وعلى نحو تتبيل الفول، تضاف «الكمونة الجاهزة إلى الماش بعد أن نبقي كمية قليلة من مائه المغلي، ونهرسه بمدقة خاصة، أكبر من مدقة الثوم بقليل». لكن طبق «مهروس الماش» ما زال بحاجة إلى «تقلاية، فتقلى شرائح البصل مع الزيت وتترك حتى تغدو شقراء، ثم تضاف إلى الماش المهروس، وتهرس معه مرة أخرى ليصبح طبقاً ناعماً شهياً، طبعاً إذا ما أضيف إليه عصير الحامض».
وعلى نحو شوربة العدس، يمكن إعداد شوربة الماش. ينظف الماش ثم يغسل وتضاف إليه شرائح البطاطا والبصل ولوبيا «المسلات»، حيث تسلق في كمية من الماء وتترك على نار متوسطة الحرارة إلى حين النضج، ثم تترك لتبرد وتهرس (يمكن هرسها بالخلاط الكهربائي). يضاف الخليط إلى «تقلاية ثوم وزيت»، ثم يتبل بالفلفل والملح، ويمكن إضافة القليل من الكمون، مع بقية ماء المغلي ويترك على نار هادئة مدة ساعة ويقدم مع الخبز المحمص.