ليال حداديستفزّني صديقي. حين أخرج من صالة السينما وعيناي دامعتان أو حين أصرخ في وجه أحد القواتيين غاضبة من موقف أو عبارة عنصرية، يبتسم، فقط يبتسم، «على شو بتعصّبي؟» يسألني ببرود. أشعر برغبة في ضربه.
يقرأ كثيراً، يحفظ أرقاماً وأعداداً وتواريخ. يغيّب أسماء المناطق والطرقات، ولا يستعمل معلوماته أبداً، حتى في المناسبات التي يجب عليه أن يستعرض فيها معرفته دفاعاً عن حقّه أو تثبيتاً لوجهة نظر معيّنة.
لم أره يوماً يهرول إلى معرض الكتاب بحثاً عن محمود درويش ليوقّع له كتاباً، كما يفعل باقي «النضاليين» (ونضاليون كلمة مختلفة عن مناضلين، فاقتضى التوضيح)، هو لا يحبّ الشعر، ولن يحبّه لمجرّد أن درويش كتبه. صديقي لا يتحدّث اللهجة الفلسطينية، لا يعرفها ولا يرغب في تعلّمها. لا يرتدي كوفية، ولا يتدلّى «حنظلة» أو خريطة فلسطين من عنقه، تضحكه كل هذه المظاهر، يسخر منّي حين أحدّثه عن اعتصام أو تظاهرة يجب أن نشارك فيها تضامناً مع «أهلنا المحاصرين في غزة». أعلم سلفاً أنه لن يشارك. يخترع ألف حجة «العمل، التعب، العائلة...»، المهمّ ألا يشارك «بس نعتصم بينفكّ الحصار عن غزة؟ وبتجي الكهربا؟ وبصير عندن أكل؟». يحبطني. لا يحلم صديقي بجنسية، ولا بتوطين ولا بعودة، أقله هذا ما يبدو عليه. هو علماني يؤيّد الإسلاميين، رأيته يبكي يوم استشهاد عبد العزيز الرنتيسي. هو فلسطيني، وإن لم تبدُ «أكسسوارات» النضال على شكله أو حديثه. هو فلسطيني... هو الفلسطيني.