روني عبد النوررغم توقّف العمل مؤقّتاً في «صادم الهدرون الكبير» (LHC)، يعقد علماء الفيزياء آمالاً كبيرة على المشروع الذي يديره المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN). وتتمحور الآمال خاصةً حول برنامج الكمبيوتر «بلاك ماكس» الذي يُنتظر منه أن يساعد على اختبار النظريات المرتبطة بنشوء الثقوب السوداء وزوالها، وبالتالي إزالة الغموض عن مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بالكون، وذلك عندما يُعاود مسرّع الجزيئات نشاطه المقرّر قبيل الربيع المقبل. يمثّل «بلاك ماكس» نقطة ثقل عند المشرفين على جهاز الكشف «أطلس»، الموجود داخل سرداب إسمنتي على عمق كبير داخل الأرض الذي يمثّل أحد كاشفين اثنين يعملان في مسرّع الجزيئات الكبير، وذلك في مساعدته للكاشف على ملاحظة الثقوب السوداء الناتجة من تصادم البروتونات على سرعة تقارب سرعة الضوء. وتشبه طريقة عمل «أطلس» ما يفعله المحققون الذين يتولّون الكشف على موقع تحطّم طائرة ما، فيجمعون حطام الطائرة للكشف عن أسباب وقوع الحادث. هكذا، وبتنبّؤ طريقة تحطّم الكل إلى أجزاء، سيسمح «بلاك ماكس» لعلماء الفيزياء، بعد الاطّلاع على بيانات «أطلس»، بمقارنة ما إذا كان نمط انطلاق الجزيئات داخل جهاز الكشف مماثلاً لما يحدث خلال عملية تكوّن الثقب الأسود وزواله.
في هذا السياق، يُتوقّع أن تدخل الثقوب السوداء الناجمة عن عمل مسرّع الجزيئات في حالة من الدوران. وعندما يبدأ الثقب الأسود بالدوران يزداد حجم كتلته المبدّدة على شكل الغرافيتون، أي كمية الجاذبية الأساسية، بحسب ما يؤكّد المشرف على «بلاك ماكس» والمشارك في إعداده، عالم الفيزياء غلين ستاركمان. وهنا نذكّر بأن عملية نشوء الثقوب السوداء وزوالها، تنتج أعداداً أكبر بكثير من الجزيئات، بحيث تنتشر هذه الأخيرة في جميع الاتجاهات في مزيج أكثر تنوّعاً يشمل إلكترونات وجزيئات أخرى غير موجودة داخل البروتون. واللافت أنه، في ظروف معينة، يتبع زوال الثقب الأسود إنتاج مجموعة من الغرافيتونات التي لا يلحظ «أطلس» انطلاقها، وبالتالي يأتي الانطباع الذي تبدو فيه بقية الجزيئات المنبعثة غير متناسقة وحاملة كميةً أقل من الطاقة المتوقّعة من حدوث العملية.
بناءً على ذلك، يقول ستاركمان إن اكتشاف الثقوب السوداء في «صادم الهدرون الكبير» سيخوّل العلماء فهم العلاقة بين الجاذبية وفيزياء الكم، وبالتالي تذليل التضارب القائم بين اثنين من انتصارات القرن العشرين المدوّية، وهما فيزياء الكم ونظرية أينشتاين العامة بشأن النسبية. كما سيشرح هذا الاكتشاف مسألة لا تقلّ أهمية وهي سبب ضعف قوة الجاذبية مقارنة بقوى الطبيعة المتقاربة الثلاث الأخرى: القوة الكهرو ـــ مغناطيسية التي تبقي الإلكترونات عالقة في مداراتها، القوة النووية القوية التي تقيّد الكواركات داخل النواة الذرية، والقوة النووية الضعيفة التي تتيح الانحلال النووي. هنا، يسعى العلماء إلى فهم هذا التفاوت بتعليل سبب ضعف قوة الجاذبية في تمدّدها إلى أبعاد إضافية غير تلك الأبعاد الثلاثة التي نقيم فيها. لذلك، يُعدّ الكلام عن وجود أبعاد إضافية في الفضاء من المسائل التي يُرجى التوصّل إلى فكّ رموزها في تجربة مركز «سيرن».
لدى سؤاله عن مدى خطورة التجربة، أجاب ستاركمان بأن الثقوب السوداء التي تخضع للدراسة في سيرن ستكون متناهية الصغر ومرتفعة الحرارة بواقع يفوق حرارة الشمس ببليون مرة. وبالتالي سيكون عمرها قصيراً للغاية بحيث تزول بعد أجزاء معدودة من الثانية بُعيد تكوّنها. واستطرد قائلا إن هذه التجربة تحدث في الكون منذ مليارات السنين من خلال الاحتكاك الحاد بين الأشعة الكونية وغلاف الأرض الجوّي الذي يقدّر العلماء عدده بثلاثين بليون تريليون احتكاك عبر تاريخ الأرض.