فداء عيتانيما دامت الموالاة، كما المعارضة وقوى الوسط، لا تمتلك أية رؤية برنامجية أو إصلاحية عميقة لهذه البلاد وشؤونها، لن يتوقف الخطاب السياسي عن كونه انطباعياً وكناية عن رد فعل على أحداث ومواقف، ويصب دائماً في خدمة مجموعة من القيادات التي لا تبحث إلا عن دور أكبر في التمثيل الطائفي. لا يشذ الحديث عن تعديل اتفاق الطائف عن هذا الخط. في الأساس إنه مطلب لاستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني (عذراً) على حساب رئيس مجلس الوزراء السنّي (عذراً) ومجلس النواب الذي يترأسه شيعي (عذراً)، وبالتالي رسم حجم كبير لمن يعيد إلى المسيحيين ما يتوهمون أنه من حقوقهم ما دام لبنان قد أُنشئ أساساً من أجلهم، ومجده أعطي لهم.
في المقابل، فإن من يطالبون ببقاء الطائف كما هو دون تعديل يستسيغون اجتزاء الاتفاق الذي يفترض أنه أنهى حالة الحرب الأهلية، وأدى إلى حكم مجموعات سياسية مرتبطة (حينها) بسوريا، وإلى تكريس نظم مالية وسياسية شديدة التعقيد، لا يشك أي مواطن في أن لبّها هو النهب من المال العام وتوسيع التخلف والفساد، وربط المواطنين بشبكة الطوائف التي لا توظيف أو عمل أو تعليم من دون الخضوع لها.
لم يطرح أحد من المجلّين في السياسة اللبنانية، وهم أنفسهم من حكم في ظل سوريا واستخباراتها، ومن حكم بعد خروجها، لم يطرح أحد منهم تنفيذ اتفاق الطائف كما جاء في النص، ولا تعديله جذرياً، ولم يرغب أحد منهم في خوض نقاش جدي بشأن التحولات الداخلية التي تعدل ميزان القوى مع الوقت، والتي ستسقط في يوم قريب الاتفاق برمته إذا لم يجرِ تعديله، ولا اهتم أحد بتطوير النظام السياسي الذي يعتاشون من نِعم تخلّفه، كل ما هناك هو محاولة تأبيد القائم من دروب الفساد ومسالكه، مقابل محاولة استعادة مسيحيّة لنظام ورّطنا بالحرب.
كل هذا في وقت تعيش فيه البلاد حالة حرب أهلية باردة، لم يخفف منها اتفاق الدوحة، ولن يخفض من وتيرتها انتصار طرف من الطرفين في الانتخابات النيابية. أصبح من الملحّ تغيير اتفاق الطائف الذي كرّس هزيمة المسيحيين في الحرب، كما من الملحّ تطبيق التعديلات على النظام، وأولها إلغاء الطائفية السياسية التي تمثّل مصدر رزق الشريحة الحاكمة، من معارضة وموالاة ووسطيين، كما تمثّل بوابة الحرب الأهلية المقبلة.