رنا حايكبعد صيدا وطرابلس، بدأ صغار المنتجين يبسطون زراعاتهم ومؤونتهم كل يوم ثلاثاء في فيء الممر الضيق أمام مقهى «بريد ريبابليك» في شارع الحمرا. فقد توسعت رقعة نشاط مشروع «سوق الأرض» الذي بدأت جمعية «سلو فوود»، بتمويل من المنظمة الإيطالية غير الحكومية UCODEP بتنفيذه منذ حوالى عام، لتشمل العاصمة، ولتوفّر بذلك للمنتجين في الأرياف مساحة جغرافية للتواصل المباشر مع المستهلك، تصفها منسقة السوق، دانا الغصيني، بالضرورية، لما تمثّله من التقاء مصالح للطرفين: «بينما يتوق المزارعون لتسويق منتجاتهم، يتلهّف مستهلكو المدينة عليها بسبب وعيهم لقيمتها الصحية».
يختار القيّمون على السوق المزارعين بحسب معايير تشرحها الغصيني قائلة: «نحرص على أن يكونوا من مستخدمي السماد الطبيعي في زراعاتهم، لا المبيدات الكيميائية، وعلى أن يكون العرض للمنتجات الموسمية والمحلية فقط، الصحية عموماً لا العضوية بالضرورة».
في ذلك الممر، يقام كل ثلاثاء عرس لخيرات الأرياف اللبنانية لا تقتصر ألوانه على أخضر القرص عنة والجرجير والعكوب والشومر ولسان الحمل، بل تشمل ألوان الفواكه في مرطبانات المربيات المختلفة وأنواع الخبز المصنوع من الجريش والقمح الكامل والحلويات المحلاة بدبس العنب، تعكسها مياه المقطرات الصافية كماء الورد وغيرها.
إلى جانب أزهار «السكوكع» أو «أبو العروس» التي يقطفها خضر حمية من الشوف، يعرض إبراهيم غنوي منتجات «تجمع تعاونيات الجنوب» من مربّيات وبرغل وصعتر ورّدتها مدن كمرجعيون وبنت جبيل وصور، من دون نسيان صابون حولا البلدي، بينما تتوهج خضروات هادي الصلح العضوية المزروعة في صيدا، ويصفّ هاني غانم «كنوز لبنان» الآتية من منطقة نبع الصفا، مقطرات ومربيات وصنوبراً ولبنة وخضراوات تزينها مأكولات وحلويات تعدها زوجته سهام بزيت الزيتون، لتجد «هريسة العكوب» طريقها أخيراً إلى العاصمة.
«أنا محظوظ لأنني أشارك، لكن آلاف المزارعين غيري لا يحظون بهذه الفرصة»، يقول غانم، مثنياً على السوق، وشاكياً، في المقابل، قلة الاهتمام الرسمي بالقطاع الذي يعمل به «الدولة لا تجري إحصاءً زراعياً ولا تقدم المعونات للمزارعين أو حتى تساعدهم على تصريف منتجاتهم، بينما تكتفي بعض المنظمات الأجنبية من جهة أخرى، بعقد مؤتمرات لا تجدينا شيئاً». في هذا الإطار، يرضي هذا النوع من المبادرات العملية على الأرض المزارعين، لأنه يؤمن تصريف منتجاتهم على المدى البعيد كما يشرح سايد زخريا من زغرتا، «المعرض يذكّر الناس بالغذاء الطبيعي الذي أنستهم المدينة والتطور مذاقه وقيمته الصحية، ولا ينقضي وقت طويل قبل أن يعتادوا عليها ويعودوا لاعتمادها».