سارة أسعدما معنى أن تكون لبنانيّاً؟ كليشيه إعلامي من العيار «البايخ»، هل يرتبط مفهوم لبنانيّتنا بالكبة النية والتبولة؟ أم هي هياكل بعلبك وقطعة السما؟ أم صور بالأبيض والأسود عن المدينة وبعض شظايا في حيطان قديمة؟ كثيرة هي الأسئلة المماثلة التي تصلح موضوعاً إنشائيّاً للصف العاشر، وأكثر منها الفذلكات التي تتوسّل الإجابة. «لبنان ــــ بيروت ـــــ ب.ل.ب (بقلبي) هو المكان الصغير، «القرنة» الجديدة في شارع جان دارك ـــــ الحمرا، التي تدعو الرواد إلى الاحتفال بأكثر من أسلوب، وبالاستمتاع بلبنان، على طريقتهم.
بسهولة متناهية وممتعة حتى حدود الضحك بلا سبب، وبعيداً عن فلسفة التاريخ والجغرافيا والتصنيفات والتعريفات، ب.ل.ب يحضن جمهوره من الصّباح، زمرة مفكّري الحمرا وقارئي السفير والأخبار، بعض المفكّرين الصغار، أمام حواسيبهم المحمولة، ليس بينهم وجه متجهّم، يتناولون قهوتهم ابتداءً من السابعة صباحاً.
ومساءً، يزدحم المكان الصّغير بطلاب الجامعات المحيطة، الشباب والصبايا الساهرين وجماعة «مرقة طريق»، أجانب ولبنانيّون، متسكّعون في كلّ الأحوال، يستمتعون بالسهرة في ب.ل.ب. تتنوّع الاحتمالات بين الموسيقى الأجنبية ليالي الاثنين، ميكروفون متوافر لكلّ من أراد التعبير عن أيّ شيء يدور في باله ليالي الثلاثاء، موسيقى لبنانية ليالي الأربعاء، كاراوكي الخميس، وتتميز بجوائز للفائزين ليس فقط بأفضل صوت، بل للأسوأ أيضاً جائزة، الجمعة للموسيقى الشرقية الحيّة وتتنوّع الفرق ليلة السبت. تتميّز قائمة المشروبات في ب.ل.ب بغرابتها وابتكار أسماء بعض المشروبات فيها، فللساهر أن يجرّب «شي مش طيّب»، «صباحو ب.ل.ب»، «احتراماتنا» بعيارين، خفيف أو «بقوّة»، «مشّينا» وغيرها، متعدّدة الأشكال والألوان.
يتميّز المكان أيضاً بشخصيّة العاملين فيه، من هادي «الفايق الرايق» المتأهّب للاهتمام بالضيوف الجدد بالابتسامة الساحرة، كاشفاً عن هدوء غريب في عينيه، إلى أحمد الذي لا يضحك «لرغيف السخن»، ولكنه يسيطر على كلّ التفاصيل بنظرة الصّقر من بعيد، ولا ننسى نيكولا، الطّفل الكبير بحجم الكرة الأرضية، بحجم الكون.
أمّا الحكاية، فقد بدأت قبل افتتاح المحل، عندما قرّر المؤسسون صنع ت ــــ شيرتات عن لبنان، لبيعها للمغتربين عبر الإنترنت. تحمل كل ت ـــــ شيرت شعاراً طريفاً أو رسمة تعبّر عن مزاج لبنانيّ، وتطلب عبر الإنترنت ويختار الشاري لونها وقياسها.
عند نجاح الفكرة وانتشارها عبر الموقع الرسمي لـ ب.ل.ب.، نقلت إلى مكان أقلّ افتراضية، وهل سواها الحمرا؟ شارع الجنون والأمراض المستعصية على الذاكرة والإدمان السّري حين تصيبنا رائحة الأماكن بمقتل.
تنتشر التي ـــــ شرتات على حيطان المكان، في إطارات خشبية جميلة، وعلى حيطان أخرى لوحات مميّزة، تضفي الطابع الشبابي الثقافي على الفضاء الداخلي الحميم.
يبقى السؤال المؤرق المرافق للمشاريع الجديدة: هل سيحدّد المكان هويّته سريعاً ويمثّل حالة مميّزة في مدينة يكثر فيها الباحثون لأنفسهم عن مكان «تحت الشّمس»؟