بعد جهود متواصلة استمرت طيلة سنتين، «يتأهب» عالم الإلكترونيات لاستقبال آخر ابتكارات أجهزة الترانزستور. الجهاز الذي يجمع بين التقنيات التقليدية وقدرات فيزياء الكم الثورية، ويعد بتشريع الأبواب واسعة أمام تطبيقات بقيت إلى الأمس القريب بعيدة المنال

روني عبد النور
ذكرت مجلة Applied Physics Letters أن باحثين من جامعة إلينوي الأميركية تمكّنوا من تحقيق تجربة المزج بين إشارات الموجات الصُغرية (microwaves)، عبر تقنية الاتصال النفقي (tunnel-junction) التي تسهّل حركة الإلكترونات، وذلك بواسطة جهاز ترانزستور يعمل على أشعة الليزر. ويُعتبر هذا الإنجاز بمثابة تطوّر لافت يُقرّب الباحثين بخطوات ثابتة من تصنيع معدات إلكترونية وبصرية فائقة السرعة والأداء.
في وسع جهاز المزج هذا التعامل بالتوازي مع قناتين مختلفتين للتزوّد بالكهرباء، وإنتاج إشارات بصرية تعمل على مستوى ترددات يصل إلى 22.7 غيغاهرتز. وتكمن المفارقة في أن ما يحدّ مستوى الترددات الذي جرى التوصّل إليه هو مواصفات جهاز الكشف والقياسات المُستخدَم في التجربة، لا قدرة الترانزستور الذي يؤكّد الخبراء أنه قادر على تخطي هذه العتبة الترددية بأضعاف.
ومن المعلوم أن الترانزستور يُصنّع من أشباه الموصّلات على غرار الغاليوم والكوارتز والجرمانيوم، ويتألف من قاعدة وباعث ومجمع. في هذا الإطار، يقول نيك هولونياك، المشارك في التجربة وأستاذ الهندسة المعلوماتية والكهربائية والفيزياء في جامعة إلينوي، إنه إضافة إلى قدرات تعديل التيار (current) الاعتيادية لأجهزة الترانزستور المتوافرة في الأسواق حالياً، تتمتع تقنية الاتصال النفقي بمميّزات أخرى تتمحور حول تعديل الجهد الكهربائي (voltage) وضبطه، ونشاط الفوتونات داخل الترانزستور، الأمر الذي يفتح آفاقاً أمام قدرات تشغيلية هائلة في تطبيقات تحليل الإشارات المستقبلية ومزجها.



وقام الباحثون في سياق التجربة بخلق بئر كمّي (quantum well) داخل قاعدة الترانزستور لاحتجاز الجزيئات التي تتنقّل ضمن إطار ثلاثي الأبعاد وحصر نشاطها في إطار ثنائي الأبعاد، بغية الحصول على مستويات طاقوية مرتفعة. وأُتبعت هذه الخطوة بإيجاد اتصال نفقي في منطقة المجمع داخل الجهاز. أما عملية الاتصال، فجرت بواسطة ما يُسمّى بـ«الامتصاص بمساعدة الفوتونات». وفي الواقع، تنطلق العملية الآنفة الذكر من البئر الكمّي، بحيث تتّحد الإلكترونات مع الفجوات (holes) ليولّدا معاً الفوتونات. وبُعيد ذلك، يجري امتصاص الفوتونات المولَّدة لخلق أزواج جديدة من الإلكترونات والفجوات، التي تتّحد بدورها في مرحلة لاحقة خلال عملية تعديل الجهد الكهربائي وضبطه.
من ناحية أخرى، يسمح الاتصال النفقي بتعطيل مفعول الإلكترونات داخل البئر الكمّي، ويُستتبع ذلك بتوجيه هذه الأخيرة نحو مجمّع الترانزستور، كما يقول ميلتون فينغ من فريق البحث أيضاً. كما يسمح الاتصال بتعديل أداء الجهاز مباشرة سواء عبر التيار أو الجهد الكهربائي. هذا فيما تسهّل مرونة التحكّم تصميم أجهزة تعتمد على الإشارات غير الخطية، ما يُعدّ خطوة تطويرية إضافية غير مسبوقة. ومن سمات الجهاز الجديد أيضاً، تأتي قدرة الإلكترونات والفجوات على توليد الفوتونات بسرعات فائقة، ناهيك عن قدرته على تجميد الفوتونات وإعادة توليدها في أي وقت. ويُجمع المشاركون على أن التجربة ستؤدي في المحصلة إلى بروز نوع ثوري من أجهزة الترانزستور، إذ إن استعمال الفوتونات من أجل تعديل العملية الكهربائية يمنح الجهاز خصائص لم يكن يمتلكها من قبل. فعلى سبيل المثال، أصبح دمج الإشارات الفائقة السرعة ممكناً نتيجة تحقيق الارتباط غير الخطي بين الحقل البصري الناتج من إعادة الدمج بين الإلكترونات والفجوات، وبين عملية نقل الإلكترونات من كل من قاعدة الترانزستور وباعثه إلى مجمّعه.
وفيما يجمع الترانزستور الجديد بين الخصائص التقليدية وتلك المتعلقة بأشعة الليزر عبر تحويل الإشارات الكهربائية الواردة إليه وتجزئتها، قبل خروجها منه، إلى إشارات كهربائية وبصرية، إلا أنه حُدّدت الفوارق بين طريقة عمل الترانزستور التقليدي والأخير من خلال كشف النقاب عن الارتباط الوثيق بين الوظائف البصرية والكهربائية داخل البئر الكمّي.
تجدر الإشارة أخيراً، إلى أن فريق البحث بدأ عام 2006عمله على كشف خفايا الترانزستور الذي يعمل بواسطة الليزر، إذ توصّل حينها إلى فك طلاسم العلاقة بين التيار والجهد الكهربائيين داخل الجهاز. فأثناء التجارب، أتاحت أشعة الليزر التمحيص في أسلوب عمل الجهاز ودراسة بنيته الإلكترونية المعقّدة. إضافة إلى ذلك، مثّلت عملية إعادة الدمج بين الإلكترونات والفجوات نقطة فراق مع الخصائص التقليدية للتيار والجهد الكهربائيين داخل الترانزستور، التي بقيت سائدة طيلة العقود الستة الماضية. وهذه المميّزات بالتحديد هي التي ستفسح في المجال أمام تطوير أجهزة ترانزستور تعمل على سرعات مختلفة في تطبيقات تجارية متنوّعة. لكن، في المقابل، يشير الباحثون إلى أن الجهاز لم يصل إلى مستوى الكفاءة التشغيلية القصوى بعد، بيد أن العمل يتواصل في الوقت الراهن من أجل بلوغ مرحلة تخوّله دخول مجال التطبيقات التجارية الواسعة النطاق.