وائل عبد الفتاحها هو «ساحر أميركا يخذلنا...».
«الساحر تخلّى عن حزمة الأحلام وسيأتي إلى القاهرة...».
«سيدعم نظام الديكتاتور»، و«يصافح الديناصورات ويبتسم في جوارهم على المنصّات...».
يبحث أوباما الآن عن مكان يلقي منه خطابه إلى العالم الإسلامي.
الأزهر يقول له: تعالَ عندنا... لتدخل التاريخ. وسكرتارية السفارة الأميركية ينقّبون عن مكان آمن وله دلالات.
...السابق كلّه بعض من صورة الصدمة بعد إعلان خبر زيارة أوباما إلى القاهرة في حزيران/ يونيو القادم. أغلبية المعارضة كانت سعيدة بما تصوّرته تجاهلاً من إدارة الرئيس الشاب في واشنطن لنظام الرئيس العجوز في القاهرة. أوباما حلّ معادلة كانت ناقصة في سنوات جورج بوش الكبيسة.
بوش كان يعامل نظام مبارك بقسوة على طريقة «الجمهوريين» الذين يتدخلون تدخلاً سافراً ويتعاملون كما لو أنهم جنود الإمبراطورية العظمى... ويفرضون برنامجهم وأجندتهم الأيديولوجية بسفور.
لكنّ أوباما رقيق... وكاريزما شابة تداعب أحلام البشرية في الخروج من زمن الأميركي المتعجرف.
كانت هذه الأغلبية تحلم بأن يكون تدخّل أوباما مقبولاً شعبياً. فالأنظمة الديكتاتورية العجوز استخدمت الشعوب حائط دفاع أخير، ولعبت على فكرة رفض التدخل الأجنبي... والتغيير بالخارج.
كأن استمرارها ليس نوعاً من التدخّل الأجنبي، وليس برعاية أميركية مباشرة وغير مباشرة. والأهم أنها موجودة لتحقيق المصالح الأميركية.
هذه حقيقة تعرفها الأنظمة جيداً. لكنها استفادت خلال السنوات السابقة من حساسية الشعوب البالغة تجاه التدخلات الأجنبية... ففرضت الإرادة السياسية التي تذكّر بعهود الانتداب والاستعمار الثقيلة الظل.
هذه الاستفادة كادت أن تمّحي تماماً مع وصول أوباما، الرئيس الأسود المنتمي إلى أصول هجينة بين سكان أميركا القدامى وأجيال أحدث من المهاجرين... كما أنه نتيجة خليط أعراق وديانات... منحت لأفريقيا وللإسلام نوعاً من الحضور عوضاً عن الاضطهاد الواقعي.
تنفّست الهوامش السياسية بحرية أكبر.
أفريقيا تناست جروحها العنيفة والعميقة تحت حكم الديكتاتورية والوكلاء المحليين للاستعمار القديم... والحروب الأهلية... وسيطرة مافيا عالمية على ثروات نهبت من شعوبها في الاحتلال والاستقلال.
الإسلام أيضاً تنفّس الصعداء بوصول أوباما بعد سنوات كان فيها هو «العدو الأخضر» الذي يحفّز طاقة الماكينة الأميركية لتبني حروبها في العالم بعد القضاء على العدو الأحمر في الحرب الباردة.
التنفّس الحر... أعطى الأمل بحدوث المعجزة. أوباما الشاب يضغط ليغيّر الأنظمة الثقيلة. والشعوب ترضى بتدخل الساحر... صاحب الكاريزما المحببة.
هذه المعادلة تفشل الآن من وجهة نظر الذين انتظروا نتائجها السريعة، ودفعتهم الآمال المحبوسة في التغيير إلى قراءة متعجّلة لسلوك إدارة أوباما تجاه الأنظمة العجوز في المنطقة.
أوباما مثل الديموقراطيين... ينصح ولا يتدخل. يشير ولا يفرض. يوحي برقّة... ولا يفرض بقوة.
أوباما القادم بعد سنوات بوش المحمّلة بعداوات وحروب مفتوحة وملفات معقدة وضحايا واحتلال وجرائم حرب... وأزمة مالية عنيفة. أوباما قرر التخفّف من ميراث بوش على ما يبدو... لا فقط ليكون «رئيساً صالحاً» للولايات المتحدة، لكن أساسا لكي يؤجّل سقوط الإمبراطورية الأميركية.
وهو سقوط متوقع... يشير فيه الخبراء والمحلّلون إلى أن الأزمة المالية ستتيح صعود أطراف جديدة. ويرشّحون الصين التي بدأت طريقها منذ سنوات، وهي الآن في مرحلتها الأخيرة، وتقترب من فرض حضورها قوة عظمى لها كلمة على العالم.
أوباما... المغرم بالخطابات الجماهيرية وبصوره المثيرة، كان له برنامج عمل مختلف. أجندته لم تهتم كثيراً بالمطلوب منه في دول تيبّست قواها الحيوية وتخشّبت أفكارها، ووهنت قدرتها على التفكير والعمل معاً.
كان المطلوب من أوباما أن يكون بديلاً من شعوب عاجزة. ساحراً بدون أدوات للسحر. وهذا ما جعل زيارته إلى القاهرة صدمة لمن ينتظرون المعجزات... وفرسان الأحلام الذين يحملون الديموقراطية بالفستان الأبيض إلى شعوب خاملة، كسولة، تنام في عسل طغاتها وتمضغ قسوتهم وبرودهم المميت.
الطغاة سعداء اليوم، رغم أنهم لا يعرفون أجندة أوباما الغامض في سحره وملفاته، والمتسرّب ببطء إلى منصات يريدها تاريخية وعملية في الوقت نفسه.
أميركا التي اختارت إسرائيل بعد ١٩٥٦ حين اختار عبد الناصر خصومها، اختارت يوماً صعباً عند العرب (٥ حزيران/ يونيو) ليوجه رئيسها خطابه إلى المسلمين. مثل نابليون؟ أم أيزنهاور؟ أم كينيدي؟ أم تراه سيفعل جديداً يخدم خروج بلاده من نفق أزمة الإمبراطوريات الكبرى... فقط، أي خطاب للخارج، لكنه يستهدف حروبه الداخلية؟