بعد زوال الاحتلال، ظهرت مشكلة النزاع على أراضي قرية علمان (قضاء مرجعيون). الملفات العقارية لإثبات الملكية عالقة في أدراج المحاكم حتى الآن، بين ملّاكين قدامى وفلاحين يعرفون الأرض جيداً، وتشعّبت عنها كذلك قضايا جزائية
سوزان هاشم
تستكين قرية علمان في أحضان سهول مرجعيون. أبعد الزمن عن القرية الهادئة ضجيج الزحمة، لكن الضجيج فيها من نوع آخر. فثمة نزاع حقيقي يدور على ملكية أراضيها. وتعود جذور المشكلة، بحسب ما يشير الفلاح والراعي «العَلماني»، أبو علي كريكر إلى ما قبل الاحتلال. «كنا نضمّن الأرض لأشخاص من آل الزغبي والأصفر، ونتقاسم الأرباح معهم»، يؤكد كريكر، مردفاً أن الأمور ظلت على نصابها حتى «بدأت المحاولات لطردنا ليأتي الاحتلال في ما بعد ويسلخنا عنها نهائياً». ووفقاً لابن القرية، استمر هذا الوضع حتى عام 2001 (بعد التحرير)، إذ يقول بثقة إن القوات الدولية سلمته العقارات بموجب محضر رسمي. لكن فوجئ الأهالي بقرار «المدعي العام الذي قضى بإخلاء الأرض، بناءً على شكوى أ. الأصفر وم. الزغبي».
أشعل القرار فتيل الخصومة القضائية بين آل الزغبي والأصفر من جهة، وأبناء القرية من جهة ثانية (أغلبهم من آل كريكر)، فطعنوا بالقرار، وحُفظت الشكوى. وفي هذا السياق، أكد مصدر قانوني مطّلع على الملف أن «القرار لا يوجب الإخلاء، ما دام النزاع مدنياً، كذلك لم يصدر أي حكم بذلك عن المحكمة، مؤكداً أن القوى الأمنية استمرت في دهم القرية بعد القرار، لأكثر من مرة، وإلزام أبنائها بالإخلاء، وذلك بموجب محاضر صادرة عن أحد المخافر». المؤسف في الأمر أن آخر عمليات الدهم شهدت عراكاً بين الأهالي والقوى الأمنية. ويشير المرجع القضائي إلى وجود تداعياتٍ آنذاك، حيث أُحيل أحد أبناء القرية على المحكمة العسكرية، وحوكم بتهمة الاعتداء على رجل الأمن، فيما جرت محاسبة رئيس المخفر لمخالفته تعليمات المدعي العام.
حدث ذلك في منتصف عام 2004، إذا لم تخن أبو علي ذاكرته. وظل التوتر قائماً بين الطرفين، منذ بدأت أعمال المساحة عام 2002، «بيد أن مخالفة بعض الإجراءات أدت إلى وقف تنفيذها، لتعود في 2008». ويردف مسؤول قضائي قائلاً «إنه في تلك الفترة أسقط عمل مختار علمان (2006)، وأُلحقت المختارية ببلدة القصير، لتتعقّد الأمور، لكون مختار هذه البلدة عقد اتفاقاً مع الخصم تنازل بموجبه عن بعض عقاراتها».
يلفت أبو علي كريكر إلى أن المختار المذكور ارتكب مخالفات عديدة لإجراءات النشر، «ما دفعنا إلى الادعاء عليه بالتزوير، ما حوّل الملف من القاضي العقاري إلى محكمة الاستئناف». أوقف سير هذه الأعمال اليوم، لكونها لا تسري إلا بوجود قاضٍ عقاري. وبعد تدخلات من مرجعيات سياسية (على ذمة أحد أبناء كريكر)، نُحِّيَ المختار عن أعمال المساحة في علمان، ومن هنا ينطلق رفض أبناء القرية السير بهذه الأعمال رغم أهميتها «لأنها ستُبنى على تزوير». الطرف الآخر يتمسك بما يعدّه إرثاً مشروعاً. يسأل أحد أبناء آل الأصفر: «لو فعلاً معهُن حق ما بيعرقلوا أعمال المساحة»، مؤكداً ملكيتهم لأراضي علمان. ثم لا يلبث أن يستعيد لغة إقطاعية قديمة: «الخصوم كانوا مجرد فلاحين لدى ضامن أرضهم». ويتهمهم شخص آخر، من آل الزغبي، بالاستناد إلى طلب ترخيص قدموه عام 1967 إلى رئيس مخفر أحراج مرجعيون، يطلبون بموجبه «قطع الأشجار في البلدة وتحويلها إلى فحم». برأي «مالكي الأرض» أن مستندات «فلاحيها» مزورة، والقضاء سيحسم ذلك.
وأكد أحد الباحثين القانونيين لـ«الأخبار» أن الأراضي غير الممسوحة هي تلك التي لم تشملها أعمال التحديد والتحرير المتمثّلة بوضع حدود للعقار وتحديد أصحاب الحقوق عليه. ولفت إلى أن إثبات الملكية في الأراضي غير الممسوحة يكون وفقاً للمادة الـ 37 من القرار 186\1926 بواسطة «الطابو» في ما يتعلق بالأراضي الأميرية، وسندات الملكية في الأراضي الملك (صادران عن السلطة العثمانية)، أو وضع اليد بطريقة هادئة علنية ومستمرة ضمن فترة زمنية (10 سنوات في الأرض الأميرية و15 في الملك).