بيت لحم ــ أسامة العيسة
اكتشفت في بيت لحم مقابر رومانية، يعمل علماء الآثار اليوم على تنقيبها لإبراز التاريخ المجهول للمدينة في تلك الحقبة. فبيت لحم المشهورة لولادة المسيح فيها لم تحفظ من آثارها الرومانية إلا مغارة «الميلاد» التي شيّدت فوقها الملكة هيلانة، والدة قسطنطين، كنيسة المهد. التنقيب في هذه المقابر المحفورة بالصخر سيبرز بعضاً من الشعائر الدينية والطقوس المدفنية التي كانت متبعة في بيت لحم في تلك الفترة. الآثاري وائل حمامرة، الذي يشارك في الحفريات يقول: لقد «عثرنا داخل المقبرة المنحوتة في الحجر الكلسي الليّن، على أربع معاظم، اثنتان منها تحمل زخارف نموذجية رومانية، تعود إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين. وهذه الزخارف عبارة عن أشكال هندسية ونباتية مثل ورود ذات ست بتلات. تستخدم هذه المعاظم في الدفن، فبعد تحلّل جثة الشخص الميت بفترة معينة يتم وضع العظام داخل المعاظم لفتح المجال لدفن شخص جديد في حجرات الدفن».
والمعاظم هي توابيت صغيرة الحجم، عرف استعمالها في مناطق أخرى من فلسطين الرومانية. وتشير النقوش الزخرفية النموذجية على مهمّتها العملية وهوية أصحاب المقبرة، الذين ربما كانوا من الطبقة الوسطى الرومانية. الاستنتاج ممكن لأن طرق الدفن هذه مكلفة، ولكن ليست باهظة الثمن.
ويشرح حمامرة طبيعة المقبرة المكتشفة، قائلاً إنها «تتكون من مدخل يقع في الجهة الشمالية، ومن حجرة مركزية مربعة مساحتها تزيد على ثلاثة أمتار، مدخل الغرفة المدفنية الأساسية ما زال مغلقاً، ما يعني أنه لم يدخلها العابثون أو لصوص الآثار. حفرت حجرتان للدفن جهة حفرتين، وطول كل حجرة نحو مترين، وعرضها نحو 60سم، وارتفاعها ما بين 60-70سم، مجموع حجرات الدفن ست، ونظام الدفن هذا اشتهر في الفترة الرومانية، وقبل ذلك في الفترة الهلنستية». وأضاف حمامرة «نحن في مقبرة عائلية، دفن فيها رجال ونساء، حيث لم يكن هناك تمييز على أساس جنسي في مسألة الدفن في الفترة التي تعود لها المقبرة».
يرجح حمامرة أن المنطقة التي عثر فيها على المقبرة كانت «عموماً منطقة تضمّ مقابر في أثناء الفترة الرومانية. وعادة ما كانت هذه المقابر خارج مناطق السكن، هذا اكتشاف مهم، فالمعلومات عن بيت لحم تعود إلى الفترة البيزنطية والفترات الإسلامية، ونأمل أن تعطينا هذه المقبرة معلومات عن طقوس الدفن وممارسات العادات الجنائزية خلال الفترة الرومانية، وعن صلتها بمدينة القدس».
الآثاري محمد غياظة، الذي يشارك في الحفرية، يشرح أن «حفرة الوسط، أو الحجرة المركزية، قد تكون أعمق من بقية القبور لعدة أسباب، أولاً للمساعدة في عملية حفر حجرات الدفن، وإعطاء الحفّارين المجال للتحرك على الجوانب، وثانياً لمنع الماء من الدخول إلى حجرات الدفن. فإذا تسرب الماء فإنه يتجمّع فيها، وثالثاً وضع المرفقات الجنائزية. وهذه المرفقات مختلفة حسب طبيعة العصر. فقد تكون مواد فخارية وأدوات زجاجية، أو عظمية، وإن دفنت إناث فيتم وضع أدوات التجميل والأساور. وفي مقابر الفترة البيزنطية يتم وضع صلبان».
وعن وظيفة بعض المواد التي عثر عليها مثل الأباريق، قال غياظة: «استخدمت هذه الأباريق للعطور والمراهم، التي كانت توضع في القبر للتغلب على الرائحة، أو كانوا يستخدمون العطر في داخلها لرشّه على الجثث، أما بالنسبة إلى القدور فكانت تستخدم للطهي، أو جزء من المرفقات الخاصة بالميت. وإذا كانت الساحة كبيرة فإنه تمارس فيها بعض الطقوس الاحتفالية كمرور أربعين يوماً أو مرور عام على الوفاة، ويمكن صنع ولائم داخل
القبور».