أحمد محسنI
استغرقت المرأة المسنّة ربع ساعة من الوقت، لتقطع مسافة عشرة أمتار. يمسكها رجل شاب بقسوة، رغم محاولاته الحثيثة، أن يبدو لطيفاً. تهرع عينه المتحجرة نحو قلم الاقتراع، ويوزّع الابتسامات على رفاق له، يرتدون قمصاناً تحوي رسماً لأرزة حزب الكتائب المثلّثة. أسعفت أشجار بكفيا العجوز لتحصل على مزيد من السنوات. لكنها لم تكن متلهّفة. لقد رأيتها بنفسي. كانت تنتخب رغماً عنها. في بلدة المروج، شاهدت صليباً مشطوباً، كذاك الذي يضعه النازيون. يؤشر إلى الدم، وإلى الموت. رغم هذا، كانت إحدى الفتيات تحمل شعاراً يقول «نحب الحياة»، وترتدي قميص الموت المشؤوم.
II
لو كان قانون الاقتراع خاضعاً لنظام النسبية، لربما كانت الأوراق البيضاء، التي سقط الكثير منها في تلك الصناديق البلاستيكية المزعجة، قد أوصلت مرشحاً إلى البرلمان. أراهن أن لون مرشح المقعد الأبيض، سيكون أبيض هو الآخر. وإلى ذلك، لن يُحتسب في جلسات مجلس النواب. الأبيض لون أعمى، يجمع كل الألوان. كنت أفضّل لو كتبوا شيئاً على تلك الأوراق.
III
ستضج ساحة النجمة بحيوية الشباب، لأربع سنوات آتية. النائب نديم الجمّيل لا يشبه والده إلّا في الصور. يتحدث الفرنسية كثيراً. وفي مركز الاقتراع، لوّح بإبهامه كثيراً لعدسات المصورين. بدا فرحاً باللون البنفسجي، الذي بصم به للتو. بدا مسالماً في المرة الأولى التي ينتخب فيها. النائبة نايلة تويني وزعت العناق على مخاتير الأشرفية. ستوزع المشاريع الداعمة للشباب في صفوف المجلس كالبقلاوة. الأهم من ذلك كله، أن ساحة ساسين ستشهد إنماءً متوازناً. بالنسبة إلى المناطق الأخرى، ابتداءً من المخيمات الفلسطينية، مروراً بالضواحي، حتى الشمال والبقاع، علينا أن ننتظر أربع سنوات. الذي لا يعرفه الشبّان، عن ممثليهم الافتراضيين، هو لو كان صراخ النائب سامي الجمّيل سيستمر.
IV
بيروت ليست أثينا. الديموقراطية سامّةُ هنا. ورقة بيضاء ليست كافية، أخشى أن لبنان بحاجة إلى مزيد من الدم. دم كثير، لا يوظّف في صناديق الاقتراع.