عصام العريانوالنطاق الآخر إقليمي، يتعلق بالتسويات الجارية للقضية الفلسطينية، والتي تتصاعد أبخرة وتتسرب تصريحات أنها ستشهد خلال السنتين القادمتين تطورات مهمة وخطيرة. من هنا يكون إبعاد الإخوان عن المشهد الإقليمي ومنع تفاعلهم الحي مع تلك التطورات هدفاً آخر لا يقل أهمية.
ولكن ما هي تداعيات تلك الحملة على كل الجبهات ذات الصلة؟ وهل تحقق أهدافها دون خسائر وطنية وسياسية وإسلامية؟! وهل يحقق النظام الباطش الظالم مكاسب صافية، أم أنه سيتحمل قدراً من الخسائر لا بد أن تلحق به؟ وهل ما يصيب الإخوان المسلمين كله في خانة الخسائر فقط؟
على جانب النظام، تظهر هذه الحملة عجز النظام المصري عن إدارة التنوّعات والاختلافات داخل المجتمع بطريقة سلمية وعبر الأدوات الديموقراطية والسياسية. وهذا الفشل الذريع ينتهي بالنظام إلى طريق مسدود، ويبيّن ضرورة البحث عن بديل قادر على تلبية المطالب الوطنية المصرية في إقامة حياة ديموقراطية سليمة، تستوعب دمج التيار الإسلامي المعتدل في الحياة السياسية والمناخ العام، ذلك التيار الذي يؤيّده قطاع عريض من المجتمع ظهر في آخر انتخابات أنه يمثل ما بين 30 ـــــ 40% من الناخبين، وتمثّل في البرلمان بنسبة 20% من أعضائه.
هذا الاتجاه البوليسي في علاج قضية سياسية، لا أمنية، يضخّم دور جهاز الأمن على حساب قطاعات أخرى داخل النظام، ويؤدي هذا في النهاية إلى بروز مراكز قوى تهدد النظام من داخله. فالأمر لا يتعلق بجرائم إرهاب أو تهديد للوطن، ولا يمكن إقناع أحد بأن الإخوان خطر على الوطن وهم يسهمون في بنائه، ويشاركون بفاعلية في تنميته في كل القطاعات، ويعيشون مع الشعب في القرى والنجوع والمدارس والجامعات والمصانع والنقابات.
تظهر هذه الحملة عجز النظام المصري عن إدارة التنوّعات والاختلافات داخل المجتمع
وهذا التطور الجديد جعل النظام يهدر أركان دولة القانون، من احترام أحكام القضاء، ومحاكمة المواطنين أمام قاضيهم الطبيعي، وإخلاء سبيل الأبرياء، وعدم اللجوء إلى الاعتقال الإداري أو تكرار الاعتقال، والتصرف بطريقة تحمل معنى اللصوصية في إغلاق الشركات وتشريد العمال، والاستيلاء بدون وجه حق على أموال خاصة للأفراد، وتشويه العمل الخيري... إلخ. وعندما تلجأ الدولة إلى هذا الأسلوب في التعامل، فإنها تهدد أسس وجودها كحام للأفراد ومحتكر للقوة بهدف حماية أمن المجتمع واستقراره، وهذا سيؤدي في المدى المتوسط والبعيد إلى ظهور نزعات لدى الأفراد والجماعات لا تحترم القانون، وتلجأ إلى العنف والقوة للحصول على حقوقها، وتهدّد النظام العام. وفي هذا، لا يعلمون، خطر كبير وإثم عظيم. فالإخوان مسالمون ويعملون في إطار المتاح من القانون، ومع ذلك يتعرّضون لكل هذه الانتهاكات دون ممارسة أي عنف أو إرهاب. فماذا تحمل تلك الرسالة لبقية المجتمع؟ ونستطيع القول إن بوادر ذلك ظهرت بالفعل في تنامي حجم ظاهرة العنف بصورة غير مسبوقة في المجتمع المصري، مما ينذر بتطورات خطيرة.
وهذه الحملة الباطشة تظهر النظام أمام الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، التي تراقب أداء الحكومات وتقدم تقاريرها إلى الجهات الدولية والحكومات الأجنبية، على صورته المظلمة التي لا تنفع معها مبررات ساقها النظام أثناء حملته على جماعات العنف. وهنا يكمن خطر آخر، لا يعلمون، عظيم. فهذه التقارير يجري إعدادها، إلى جانب تقارير أخرى، كسجل لإدانة أي نظام يريد المجتمع الدولي أو الدول الكبرى إجباره على سلوك غير وطني، أو تقديم تنازلات في ملفات خطيرة، إقليمية أو دولية، أو إخضاعه لنفوذ القوى الكبرى، أو إيجاد ذريعة للتدخل في شؤونه الداخلية بحجة حماية حقوق الإنسان أو إقامة الديموقراطية أو... إلخ. وهذا يأتي في الوقت المناسب الذي تختاره تلك الحكومات الأجنبية، ولنا في العراق والسودان وغيرهما عبرة وعظة.
ما الذي يكسبه النظام من مثل هذه الحملة الظالمة؟
هل يكفي هدف عرقلة نشاط الإخوان وحرمانهم من قياداتهم الكفوءة للتعويض عن كل تلك الخسائر، بينما ثبت خلال عقود من الزمان عدم القدرة على استئصال الإخوان من المجتمع المصري لأنهم جزء أصيل ومكوّن طبيعي منه؟ هل تحجيم وجود الإخوان في مجلس الشعب في الدورة القادمة يكفي لكل تلك الجرائم التي يرتكبها الأمن والنظام في حق الإخوان، مع وجود أساليب أخرى لدى النظام لتزوير الانتخابات وضبط النتائج؟ ومع إدراك النظام أن تغييب الإخوان تماماً عن البرلمان ليس من المصلحة في شيء، وليس ممكناً دون خسائر كبيرة على المستوى السياسي، حيث أدى في النهاية إلى غياب شبه كامل للمعارضة كلها منذ عام 1990 حتى الآن؟ هل إرهاق الإخوان اقتصادياً ومحاربتهم في أرزاقهم سيؤدي إلى إفقارهم، أم سيؤدي إلى خلل بشع فىي مجال حرية السوق والتنافس الذي يروّج له أركان النظام من الليبراليين وأشباههم؟
قد يكسب النظام على المدى القصير بتلك السياسة القصيرة النظر، لكنه عندما يمعن التفكير، ويتأمل بعض عقلائه في الآثار المدمّرة لتلك السياسة الأمنية، والتي يستسهلها الأمن وبعض السياسيين، فإنه سيعرف أن تلك الجولة الأمنية ستنتهي كما انتهى ما سبقها، وسيعود الإخوان أقوى ممّا كانوا، وسيجدّدون دماءهم بانتظام، ولن ينحرفوا عن منهجهم الوسطي المعتدل، ولن يستفزّهم أحد للخروج عن أسلوبهم السلمي ليبطش بهم، وسيصرّّون على المشاركة وفق رؤية محددة تهدف إلى الإصلاح المتدرج، وسيقدمون بدائل للأشخاص وللحركة وللنشاط، وسيكتسبون مع كل صباح أرضاً جديدة وأنصاراً جدداً وقيادات قادرة على الصمود والتضحية. ويكفيهم إيمانهم بقول الحق تبارك وتعالى: {فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين بمصر