نقولا أبو رجيليما حالة التمرد التي شهدها سجن زحلة ليل أول من أمس، إلا دليل جديد على الإهمال الذي يُعانيه معظم مباني السجون في لبنان. أضرم سجناء النيران في فُرُشهم، احتجاجاً على الظروف الصعبة التي يعيشونها داخل 6 غرف، أُعدَّت أصلاً لتستقطب 60 سجيناً في حدٍّ أقصى، وفيها أكثر من 200 سجين وموقوف.
السجينان عبد الله ي. ومحسن ح. اللذان نُقلا منذ فترة من سجن رومية إلى سجن زحلة لأسباب تأديبية، شطّبا نفسيهما بآلة حادة، لم تُظهر التحقيقات بعد نوعيتها، فأُصيبا بنزف حادّ في الأوردة الدموية، ولا سيما شرايين اليدين، ما استدعى تدخلاً سريعاً من إدارة السجن والأجهزة الأمنية، التي تمكّنت في وقت قصير من إخماد النيران وتطويق حالة العصيان والسيطرة على الوضع داخل المبنى وخارجه. وعملت كذلك على نقل الجريحين إلى مستشفى تل شيحا الذي يبعد عن مبنى السجن عشرات الأمتار.
عن أسباب حصول التمرد الأخير، أوضح مسؤول أمني لـ«الأخبار»، أن الجريحين هما مَن خطّط وقاد عملية التمرد، وأنهما كانا قد طالبا مراراً بإعادتهما إلى «رومية»، احتجاجاً على حالة الاكتظاظ الخانقة والظروف الصعبة التي يعيشونها مع زملائهم داخل سجن زحلة. وأضاف المسؤول أن إدارة السجن كانت في حالة ترقّب لما قد يُقدم عليه النزلاء، وهي من أجل ذلك، أجرت في الفترة الأخيرة عمليات تفتيش دقيقة، شملت أغراض النزلاء وأمتعتهم في أوقات متفاوتة، بعدما حاول بعضهم قبل نحو أسبوع حضّ السجناء على إثارة المشاكل بين بعضهم ومع رجال الأمن المكلفين حراسة المبنى من الداخل.
بعض رجال أمن السجن يعيشون في قلق نتيجة تزايد تردّي أوضاع السجن
وضعُ رجال الأمن في سجن زحلة ليس بأفضل حال، فتكرار حوادث التمرد والعصيان، وحادثة فرار 4 سجناء قبل نحو عام، دفعا كثيرين إلى تلمّس الوساطات والشفاعات للانتقال إلى مراكز أخرى تحسّباً لحصول الأسوأ. وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية، أن بعض رجال أمن السجن يعيشون في حالة قلق دائم نتيجة تزايد تردّي أوضاع السجن يوماً بعد يوم، ولا تكاد تخلو مذكرة فصل تصدر عن قيادة الدرك من أسماء لأفراد ورتباء ينتقلون من السجن وإلىه.
كانت إدارة السجون قد أناطت مسؤولية إدارة سجن زحلة بضابط عون، مهمته الإشراف على مهمات رئيس السجن وعناصره، إلا أنّ ذلك لم يؤدّ إلى النتيجة المرجوة، بدليل استمرار الوضع على حاله. وبحسب المسؤول الأمني، فإن المشكلة ليست في تنظيم الأمور داخل المبنى وخارجه، بل يعود ذلك إلى الأوضاع السيئة التي يعانيها النزلاء من النواحي النفسية والصحيّة والبيئية، مشيراً إلى أن هذا يتطلّب تكثيف الجهود والإسراع بإنجاز مبنى سجن زحلة الجديد الذي من المقرّر بدء استخدامه في شهر شباط من العام المقبل.
يُشار إلى أن السجينين الجريحين لا يزالان تحت الحراسة ويتلقيان العلاج داخل مستشفى تل شيحا، وحالتهما الصحية مستقرة، في وقت تستمر فيه التحقيقات مع عناصر السجن لمعرفة الظروف التي أدت إلى حصول حالة التمرد وتحديد المسؤوليات، على أن تتخذ التدابير المسلكية المناسبة بحق المقصّرين.
أحد الخارجين من سجن زحلة، بعد انقضاء محكوميته، تحدث لـ«الأخبار» عن حالة الفوضى التي تعمّ غرف المكان. وقال إنه قد شاهد «بأمّ العين بعض السجناء وهم يتعاطون المخدرات والحبوب المهدئة، التي تُدخَل بمساعدة بعض رجال الأمن، وعلى مرأى منهم لقاء مبالغ مالية». وأضاف: «كثيرة هي الحالات» التي شاهد فيها أحد السجناء وهو يقلّب شفرة حلاقة بين أسنانه، ويُخفيها تحت لسانه إلى فترة طويلة، حتى إن بعضهم كان يستخدمها، أي الشفرة، لنزع أجزاء من جلده ولحم يديه ثم يرميها أرضاً. كل ذلك بقصد إرباك سجّانيه الذين كانوا يهرعون لمعالجة جروحه حفاظاً على حياته.