راجانا حمية
ماذا بعد 25 نيسان؟ يطرح العلماني الشاب سؤاله، من دون أن ينتظر جواباً. فهو لم يسأل ليُجاب، لكنها كانت وسيلته للقول إنه راضٍ عن عدد المتظاهرين الذين اجتاحوا على حين غفلة كورنيش عين المريسة، حيث كان من المفترض أن يتجمّعوا لينطلقوا من هناك إلى المجلس النيابي. هذا العلماني «للموت»، أثبت لنفسه قبل أي أحدٍ آخر أن «الزمن الأول تحوّل»، وبات للعلمانيين وجود فعلاً. والدليل؟ «الثلاثة آلاف» (أربعة حسب البعض) الذين شاركوا في مسيرة العلمانيين أمس نحو المواطنة.
قوي نبض العلمانيين أمس. قوي فجأة، عندما بدأ عدد المتوافدين إلى المكان يكبر شيئاً فشيئاً. عند عين المريسة، كان الطموح «حوالى الألف»، يقول باسل عبد الله، الناشط في تيار المجتمع المدني. كان التعويل على العدد، أكثر من أي شيءٍ آخر، حتى أكثر من الشعارات. أما السبب؟ فيضيف عبد الله إلى أنه «بكرا رح يقولوا أديش كانوا، ورح يطلع معهم أكثر من ألف». هكذا، أنساهم العدد الخوف الذي اجتاح «الجو» عند عين المريسة. الخوف من ألا تكون المسيرة على قدر توقّعات كارهي الطائفية وحماستهم. هؤلاء الذين حملوا منذ الصباح الباكر براعم الورود الحمراء، مالئين فضاء المكان بالغناء نصرة للعلمانية. كان لكل واحدٍ مطلبه من العلمانية: واحدة «فصل الدين عن الدولة»، وأخرى «أن لا أقلب مارونيّة لأحصل على منصب رئيس الجمهورية»، وثالث أن يتزوج من حبيبته من دون أن يذهب إلى قبرص!
ضجّت عين المريسة، أمس، بالأصوات المطالبة بإلغاء الطائفية والدعوة إلى احترام حرية الرأي والمعتقد، وهي الشعارات الأساسية للمسيرة. كان اللافت أن معظم المشاركين من الشباب، وبعضهم «ناشط للمرة الأولى»، كما هي حال عمر مجذوب.
تعرف مجذوب على العلمانية «من خلال الفايسبوك»، أما أمس، فقد «عشت العلمانية لأول مرة لايف، كنت مفكر إنو نحنا كتير قلال». مجذوب، «العلماني للموت»، كان أكثر حماسة من المشاركين «للمرة الألف في مسيرات علمانية». يبتسم ناجي لحال «الرفيق الجديد»، معلقاً بالقول: «يمكن لأنه لم يضربه اليأس والتعب بعد، فهو متفائل، لكن أستطيع القول إنو وقت الجد شي، والكزدورة من البحر للبرلمان شي تاني».
كبُر العدد. استعدّ العلمانيون للمسير. علا الصراخ «طاق طاق طائفية. لأ لأ علمانية». «اشتغلت» الحناجر : «وبدنا بلد علماني/ ما بدنا البطرك صفير ولا المفتي قباني» و«شو طايفتك/ ما خصّك».
تحرك العلمانيون من عين المريسة باتجاه البرلمان، فبان العدد الفعلي لهم من دون جمهور الفضوليين. 500؟ ألف؟ العيون كلها شاخصة إلى الخلف. «ضربنا المليون؟». يسأل أحدهم بسخرية، ممازحاً صديقته: «دينا، اطّلّعي وراكي هاي 100 ألف!». كانت مسيرة أمس لعبة أرقام. الكل يريد رقماً يزيد على الألف. بات العدد مقبولاً تقريباً. عند «أوتيل فينيسيا»، ظهّرت الصورة. صرخت حاملة «المياكروفون» بصوتها الجهوري «علمانية وعلمانية/ وكل واحد منّا بيسوى ميّة». عند آخر طلعة الأوتيل، عاودت الصراخ «ارفعوا الهوية اللي مشطوبة فيها الإشارة إلى الطايفة» (تقصد ربما إخراج القيد لأن الهوية لا إشارة صريحة فيها إلى الطائفة).
لا يهم،ّ فالكل متحمّس ولا طاقة له على التركيز. رفعوا هوياتهم، مردّدين «طق فيوز الطائفية». في تلك اللحظة، «طق فيوز» حسن قطيش، فردّ على طلب «الردّيدة» بالقول «أنا متوالي وبفتخر واللي مش عاجبو ينتحر». ثمة «طائفي» وسط هذا الجمع. لكن، لماذا يحضر احتفالهم؟ كان قطيش يحمل لافتة، أطول من قامته الصغيرة، «نناضل من أجل بلدٍ لاطائفي...». يقول إنه حضر «لأن والدي، الشيوعي، طلب مني الحضور، فجمعت أصدقائي دعماً له». لا أكثر من ذلك. انتهى البيان. عاد قطيش إلى حيث كان و«طاق طاق طائفية... لأ لأ علمانية»!
لم يستطع المسير اختراق الطوق الأمني عند المجلس النيابي
أما عن هذا المسير؟ «فلنقف هنا فقط»، قالت لزملائها، لكن لا يبدو أن أحداً اقتنع بالوقوف بعيداً «أميال» عن المجلس النيابي. اعترضوا، فلم يفلحوا، فاستغلوها فرصة للرقص. رقصوا، وكل واحد منهم يدعو أصحابه لأن «يعملّو شي وصلة». لم يتعبهم الرقص أبداً، حتى إن الدعوة لمناقشة العلمانية على كورنيش عين المريسة لم تنجح. كان عليهم إنهاء فعل فرحهم قبل أن يتفرّقوا، بانتظار مسيرةٍ أخرى قد تأتي بأكثر من ثلاثة آلاف».