في عيونهم الكثير من الحلم ببناء مستقبل يشبههم. هم، على الأقل، لم يختبروا رصاصة القنّاص أو مرارة القتل على الهويّة. أمس، فرح شباب لبنان بالعطاء في 13 نيسان، فهل سيفرحون به كل العام؟
فاتن الحاج
يحاول رمزي العرم، الطالب في مدارس العرفان، أن يتخيّل كيف سيحيي الشباب ذكرى الحرب الأهلية بعد 10 سنوات. يسأل بقلق: «هل سنبقى نرقص كل ما حدا زقّفلنا؟». يطمئن زياد بارود، وزير الداخلية والبلديات، الشاب المتحمس للتغيير بالقول: «مناعتك ضد الحرب مسؤوليتنا نحن السياسيين وهيدا الشي بيصير إذا كانت رقصتنا مختارة وبتشبه البلد». ويردف: «هيدا اللقاء بيننا هو أحلى رقصة بوجه كل الزقّيفة الذين يريدون أن يأخذونا إلى مكان آخر».
بارود كان يقصد اللقاء التلفزيوني الذي توّج، أمس، يوماً طويلاً أرادته جمعية فرح العطاء مناسبة لـ«السلام بيننا أو على لبنان السلام». من «البيت الأصفر» عند تقاطع السوديكو، ينتشر نحو 700 طالب أتوا من 11 ثانوية رسمية وخاصة في شارع خط التماس السابق. تنخرط «الخلطة اللبنانية للطوائف والمناطق»، كما يسميها بشارة سكيني من مدرسة القلب الأقدس الجميزة، في محطات النشاط. يشارك الجميع في طلي الجدران الوسخة «بالبيج». «لون بيحمل دعك ومش لحدا»، تقول ماريا بوداغر. ثم تستدرك: «الأصفر اللي عم نطرش فيه حافة الرصيف ضروري لأنّو بضوّي بالليل». تبدو ماريا سعيدة بالنشاط وتتمنى أن لا يقتصر التطوع على يوم واحد «وخلص بيرجع كل واحد لمدرسته وطائفته». أما ماغي المولى من مدارس المقاصد، وزميلتها في المجموعة ذاتها دانيالا خليل من مدرسة يسوع ومريم فحضرتا للتأكيد أنّ «المكان لم يعد شاهداً على الحرب بل بات رمزاً للسلام».
هكذا راح الشباب يعبرون عن مواقفهم من 13 نيسان كل على طريقته، فيرى ريشارد الحسيني من مدرسة القلبين الأقدسين في جديدة المتن أنّ «زمن التشبث بالرأي والتعصب انتهى». هذا الزمن الذي يرفض عبد الرزاق القرق من ثانوية رينيه معوض الرسمية العودة إليه «منرفض نرجع للحرب ما بقا بدنا لبنان ساحة للصراعات الخارجية». يتحمس وائل صعب من مدرسة النزاهة هاي سكول لشرح ماذا حصل في 13 نيسان، يقول لنادين، زميلته في المجموعة: «13 نيسان رصاصة طلعت وبعدين طلع رصاص كثير ونحنا لازم نتذكر من شان ما نكرر هاليوم». تتدخل أرليت عردو، والدة نادين، فتوضح أنّها أجبرت ابنتها على المشاركة «بدي ولادي يتعرفوا على الآخر ليبطلوا يخافوا منه».
لكن بدا لافتاً أنّ المنظمين لم يسمحوا للمشاركين بتجسيد هذه المواقف عبر الرسوم والشعارات التي غالباً ما تكتب على الجدران في مثل هذه المناسبات، بل ما حصل هو العكس، إذ انشغل هؤلاء بالطرش لإزالة الإعلانات العشوائية على بعض الجدران الوسخة، فيما انصرف البعض الآخر إلى رسم «الغرافيتي» والدوائر الملونة والعلم اللبناني. كذلك اهتمت مجموعات أخرى بوضع إشارات سير على طول الخط الممتد من السوديكو حتى المتحف، وزرعت مجموعات أخرى أشجاراً ابتداءً من منطقة بشارة الخوري.
تجول دونا ماريا نمور، المتطوعة الشابة في جمعية فرح العطاء، على الشباب. تحمّسهم على متابعة النشاط: «يللا خلينا نزرع!». يستفزها سؤال أحدهم: «ماذا تعني لكِ الحرب؟». تقول بثقة: «يا شباب ما بتعنينا الحرب، ما خصنا فيها، ثقافتنا ثقافة حضارة وسلام وما بقا بدنا نخسر شي بهالبلد». تشير بيدها إلى لافتات كبيرة تعكس ويلات الحرب «720000 جريح، 17356 مخطوفاً مش مستعدين نعيدا، الحرب دمرت البنى التحتية... الخ».
يمر الوقت بسرعة قياسية. ينهي الشباب المهمة «السلمية» ويتجمعون أمام درج المتحف الوطني. دقائق وتبدأ الحلقة التلفزيونية المنتظرة التي بثتها مباشرة على الهواء معظم التلفزيونات، وشارك فيها إعلاميون يمثلونها. لم يخف الشباب الحاضرون تأييدهم لرجل الدين هذا أو ذاك، وبدا ذلك حين عرضت الإعلامية هيام أبو شديد، مقدمة الحلقة، أسماء الممثلين الروحيين لـ17 طائفة. كما لم يستطع هؤلاء أن يحتفظوا برأيهم السياسي لوقت طويل. فعندما تحدثت حياة ريهاوي عن المهنية التي حافظ عليها تلفزيون المنار خلال الأحداث الأخيرة علت أصوات البعض لتقول: «هووو، لا»، وهو ما دعا المنظمين إلى محاولة ضبطهم.
لكن الشباب يستقبلون بتصفيق حاد وزير الداخلية زياد بارود الذي بدا أنّه شخصيتهم المحببة. كانوا يصغون له بشغف وخصوصاً حين قال: «أصعب شي بهيدا النهار إنو نقول عظات». ورداً على سؤال لزينة قانصو من راهبات المحبة ـــــ كليمنصو، عن كفاءة الطبقة السياسية، قال بارود: «لا يجب أن ينضمّ الشباب إلى ثقافة النقّ، فالتغيير جزء من خياراتنا كناخبين لاختيار الأفضل». كان ينتظر أن يسال أحدهم هنا عن خفض سن الاقتراع، لكن ذلك لم يحصل. دعا بارود إلى «الابتعاد عن الشعر والكلام الكبير لكون المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة فحسب، بل علينا أن نفكر سوية بالحلول». زينة دكاش، الممثلة المسرحية التي عملت مع السجناء كانت هنا للإدلاء بشهادتها. قالت: «حدود السجن لا تعرف الفروقات، فيكون اللقاء بسبب قلة الخيارات. فهل نحن مستعدون في الخارج مع كل الخيارات المتوافرة لأن نختار اللقاء؟».
وبعد أن يستفسر الشباب عن وثيقة المجتمع المدني، يقف رجال الدين لتلاوة الدعاء المشترك، وينتهي اللقاء على أمل أن يتجدّد قبل 13 نيسان المقبل.