العام الماضي، أعلنت «ذاكرة للغد» إقامة نُصُب تذكاري في ساحة الشهداء «لمواكبة الذاكرة». اليوم، بعد عام، تتهيأ «فرح العطاء» لإعلان إقامة نُصُب آخر، على المتحف. إعلانان لم يستطع أهالي المفقودين قبولهما، والسبب هو أن النُّصُب لا يُقام قبل الحقيقة
راجانا حمية
المتحف وساحة الشهداء. هما ذاكرتان أكثر مما هما مكانان. ذاكرتان من الدم والقتل على الهوية، ترتبطان بسيرة 15 عاماً من الحرب. هناك، في المكانين، ارتأى البعض ألا تختفي الذاكرة أبداً... «ت ما تنعاد». ولكي «تنذكر ت ما تنعاد»، اقترحت، العام الماضي، جمعية «ذاكرة للغد» إقامة نُصُب تذكاري في ساحة الشهداء، كان من المفترض أن يضم أسماء كل شهداء الحرب الذين يتجاوز عددهم مئتي ألف. كان ذلك في الثالث عشر من نيسان الماضي. في ذكرى الحرب. الآن، بعد عام على الاقتراح ذاك، وللذكرى نفسها، تقدمت جمعية فرح العطاء بطلب آخر إلى بلدية بيروت لإقامة نُصُب تذكاري عند «ما كان يعرف بخط التماس في منطقة المتحف»، يقول رئيس الجمعية ملحم خلف. لا يزال الطلب قيد الدرس «في عهدة لجنة الحدائق والصحة والبيئة التي تضع توصياتها بشأنه، على أن ترفعه إلى المجلس البلدي لاتخاذ القرار»، يقول رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس.
قد لا يكون صعباً على ذاكرة للغد وفرح العطاء «تخليد» الذاكرة بنُصُب، إذا توافرت الأرض لهما، لكن، ما يبدو صعباً هو الإجابة عن السؤال الذي تطرحه الجمعيات المعنية بمتابعة قضية المخطوفين والمفقودين في هذه الحرب، وهو: كيف يُقام نُصُب لحربٍ لم تنته بعد؟ ماذا عن المفقودين؟ المخطوفين؟ المجرمين؟
يستند هؤلاء في أسئلتهم، التي لا جواب لها، إلى فلسفة مفادها أن «النُّصب لا يُقام إلا إعلاناً لنهاية قضية، وبالتالي يكون تخليداً للحقيقة»، يقول غازي عاد، رئيس لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين ـــــ سوليد.
لا الملف أقفل. ولا الحقيقة أُعلنت. لهذين السببين، تكرّر رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني رفضها لإقامة النُّصب. حلواني، التي قاطعت ولجنتها حفل إعلان «ذاكرة للغد» إقامة النُّصب، لا تزال مصرّة على الموقف القاضي بتأجيل فكرة النُّصب التذكارية لحين كشف كل الحقائق. بدلاً من عناء إقامة النُّصب «فلتكن كل مقبرة جماعية هي نُصُب، وعندما تنتهي القضية، فلنضع كلنا نُصب تخليد الحقيقة». تعود حلواني إلى احتفال العام الماضي، فلا تجد فيه سوى «محاولة طيّ لملف لا يزال مفتوحاً». وتعتب على «سلطة بتجيب راس الدولة (في إشارة إلى مشاركة ممثل عن رئيس الجمهورية) على النشاط ليضع نُصُباً، كأنهم يضعون علامة إكس على قضيتنا». كذلك هو رأي لجنة المخطوفين، كذلك هي الحال بالنسبة إلى سوليد، إذ يؤكّد عاد أنه «لا نُصُب قبل الوصول إلى حقيقة معينة». ويشير عاد إلى «أننا نحن أهالي المخطوفين والمفقودين ما زلنا في أول الطريق والنُّصُب هو آخر الطريق». باختصار «لا آخر قبل الأول، إلا إذا كانت الدعوة إلى إقفال الملف».

النُّصب لا يُقام إلا إعلاناً لنهاية قضية ويكون تخليداً للحقيقة
«لا هذه ولا تلك»، تقول الناشطة من أجل النُّصُب الأول، أمل مكارم. وإذ تعيد التذكير برسالتها في احتفال العام الماضي، تشير إلى أن «هذا النُّصُب هدفه مواكبة الذاكرة، لا محوها، وكل ذلك من أجل أن يبقى الملف حياً». ما تريده مكارم، وحتى خلف، الناشط من أجل النُّصُب العالق ملفه في البلدية، «هو خلق إطار حسي لموضوع الذاكرة».
على صعيدٍ آخر، يشهد اليوم سلسلة نشاطاتٍ، إحياءً لذكرى الحرب. فتحت عنوان «السلام بيننا أو على لبنان السلام»، تخصص جمعية فرح العطاء، بالتعاون مع وزارة التربية، حصة دراسية في عدد من المدارس الرسمية والخاصة، تسلّط الضوء على أهمية تحصين السلم الأهلي. وعند الرابعة، يحاور التلامذة وزير الداخلية زياد بارود، على درج المتحف الوطني. الرابعة والنصف، تنظم الجمعية حلقة تلفزيونية على الدرج «تتكلل بدعاء مشترك لممثلي الطوائف». كذلك، تقوم الهيئة الوطنية لدعم الوحدة ورفض الاحتلال بزيارة مدافن ضحايا الحرب الأهلية في مار متر ورأس النبع وقصقص وشاتيلا والغبيري وفردان. وتنطلق المسيرة التي تحمل عنوان «نستميحكم عذراً»، الحادية عشرة قبل الظهر من أمام مسجد الخاشقجي في قصقص. ويطلق تجمع «وحدتنا خلاصنا»، وثيقة «أساسيات تحصين السلم الأهلي في لبنان» وتوقعها الجمعيات المشاركة، 11 صباحاً في مكتبة المجلس النيابي.