فصل جديد في قضية «الأغذية المزوّرة تواريخ صلاحيتها» في البقاع. تعارضت مضامين محاضر موظّفي وزارة الاقتصاد مع ما بيّنته عمليات دهم قوى الأمن لمستودعات المشتبه فيهم، وأُفرج عن الموقوفين «لعدم ثبوت نيّة التزوير والضرر بحياة المستهلكين»
البقاع ــ أسامة القادري
الأمل بانفراط «حبات سبحة فساد لم يدم» طويلاً، هذا ما يردّده أخيراً مواطنون من البقاع الأوسط. يتحدث هؤلاء بأسف عن خطوة لم تكتمل، بعدما أُفرج عن موقوفين اتُّهموا بتزوير تواريخ صلاحية مواد غذائية.
القصة بدأت في19 أيار الماضي، عندما اكتشفت قوة من الجيش اللبناني مستودعاً في معمل للمرطبات في محيط بلدة قب الياس، وصادرت كميات كبيرة من المعلبات والمخللات الجاهزة، بعدما تبيّن تزوير مدة صلاحيتها.
ككرة الثلج كبرت القضية، وطالت التوقيفات مدير المعمل وثلاثة عمال، بعدما أوقفوا «بالجرم المشهود»، ثم أوقف صاحب المعمل، وأوقف صاحب متجر أغذية كبير. وبيّنت التحقيقات أن المتورّطين امتدت مساحة حركتهم من البقاع إلى جل الديب، وقد صودرت كميات كبيرة من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية من داخل مستودعات ضخمة في البقاع وجل الديب، وقد أُقفلت وخُتمت بالشمع الأحمر بناءً على إشارة النيابة العامة قرابة خمسة عشر يوماً.
أيام قليلة وانقلب المشهد، وأُعلن الإفراج عن الموقوفين، وسط ذهول متابعي القضية. لذا يكثر الهمس والأسئلة والشكوك، ويذهب البعض إلى أنه إذا لم يكن الموقوفون السابقون متورطين في عملية تزوير، فلمَ لم يرفعوا دعوى ضد الدولة؟
ثمة كلام يسمعه المتابعون أن «هذه الفضيحة الكبرى تحوّلت إلى «غلطة قوى أمن»، وأن العابثين بحياة البشر ظلمتهم القوى الأمنية ودسّت لهم أطناناً من المواد الفاسدة في مستودعاتهم»، ويُشار إلى أنه أُفرج عن الموقوفين بكفالة مالية بلغت مليون ليرة عن كل واحد منهم، وعُدّ جرمهم جنحة «لعدم ثبوت نية التزوير والضرر بحياة المستهلكين».
مسؤول متابع أكد لـ«الأخبار» أنه خلال التحقيقات الأوّلية مع الموقوفين، اعترف مدير المعمل هـ. ح. والعمال الثلاثة بمشاركتهم في التزوير، وأنهم يعملون بناءً على توجيهات صاحب المعمل الذي يجلب البضاعة المنتهية الصلاحية من تجار جملة كبار في جل الديب. وأضاف المسؤول أنه على ضوء هذه الاعترافات صودرت من مستودعات المعمل في البقاع ومستودعات تعود إلى تاجر الجملة ر. ك. في جل الديب كميات كبيرة من البضائع، وهي عبارة عن 13 صنفاً من الجبنة واللحم المعلّب والمعكرونة والكبيس والكاتشب.
إذاً دخل صاحب المعمل ن. ق. دائرة الشك. حُقّق معه، وأُفرج عنه بسند إقامة. واستناداً إلى التحقيق الأوّلي مع مدير المعمل، دهمت القوى الأمنية المستودعات في البقاع وجل الديب، وضُبطت فيها كميات كبيرة من المواد الغذائية الفاسدة، حسب ما صرّح مسؤول أمني لـ«الأخبار» حينها. على ضوء الاعترافات، أوقف تاجران، بناءً على إشارة من النيابة العامة في البقاع، وخُتمت مؤسساتهما بالشمع الأحمر بتهمة ضلوعهما في المتاجرة بالمواد الغذائية الفاسدة، ثم أُخلي سبيلهما بناءً على كفالة مالية، وذلك استناداً إلى محاضر موظّفي وزارة الاقتصاد المكلّفين من قبل النيابة العامة بتفتيش المستودعات وتسجيل المواد الفاسدة في محاضر رسمية، حيث جاء في المحاضر أن المستودعات خالية من أي بضائع فاسدة أو منتهية الصلاحية أو متلاعب بتواريخها.
المسؤول الأمني قال إن مدير المعمل تراجع عن أقواله في التحقيقات الأوّلية، وتحدث عن تعرّضه للضغط الجسدي والمعنوي من قبل المحققين لدى الشرطة العسكرية، وأنهم أجبروه على الاعتراف بجرم لم يرتكبه.
أهالي البقاع يجدون أنفسهم أمام سؤال لم يُجب عنه المعنيون، وهو: «أين تبخّرت الكميات الكبيرة من البضائع التي صودرت؟».
من جهة ثانية، قال رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي يوسف سعد الله الخوري، لـ«الأخبار»، إنه يحقّ لقاضي التحقيق أن ينقض التحقيق الأوّلي، إذا تعرّض المتهم لإكراه مادي أو معنوي. وفي هذه الحالة، «من الطبيعي أن ينسف التحقيق الأوّلي، ويخلي سبيل المتهم»، وهنا يُغيَّر الوصف القانوني للوقائع التي حصلت. الخوري قال إنه إن لم يثبت التزوير، يُستند إلى المحاضر المقدّمة من موظّفي مصلحة الاقتصاد، «مصلحة حماية المستهلك»، وتُعتمد كمحاضر أساسية في القضية، وهنا تُكيّف ضمن الإطار القانوني. ولفت الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة إلى أن قاضي التحقيق هو الذي يحدد إن كانت المخالفة جنحة أو جناية، وإذا كانت جنحة يستخرج قراراً ظنياً، «ظناً بفلان أنه ارتكب فعلاً غير قانوني». أما في حال الجناية، فيصدر قراراً اتهامياً ويحوّل على الهيئة الاتهامية»، فإذا أيّدته، تصدر مذكرات إلقاء قبض بحق المتهمين، وإذا فسخت قرار قاضي التحقيق تعيد الأوراق إليه للتقيّد بمضمون قرارها، ويجري التحقيق على هذا الأساس ضمن الأصول المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية في هذا الشأن.
ولفت الخوري إلى أن قاضي التحقيق هو «صمام الأمان، وهو الذي يملك سلطة استقصائية واسعة جداً» لجلاء الحقيقة واتخاذ الموقف المناسب للنتيجة، وفقاً لما يرتئيه، وقد يصدر قراراً يمنع المحاكمة.
كذلك لفت القاضي الخوري إلى أنه يحقّ للمتضررين من التدبير الاحترازي الوقائي، في حال إقفال محالهم التجارية والمستودعات بالشمع الأحمر وبإشارة النيابة العامة، الادّعاء على الحكومة اللبنانية والوزارات المختصة أمام مجلس شورى الدولة، بدعوى تعويض عن ضرر.


كادر: قانون حماية المستهلك

ذكّر القاضي يوسف سعد الله الخوري بأنه «في مسألة حماية المستهلك، حدّد القانون اللبناني عقوبة كل من غشّ وتاجر بمواد وسلع فاسدة من ثلاثة أشهر إلى سنة حبساً، وأن تكون الغرامة من خمسة وعشرين مليون ليرة إلى خمسين مليوناً إذا كان عالماً بما يعمل، إن لم يرفع متضررون من الغش والمواد الفاسدة دعوى. أما إذا أصيب المستهلك بضرر، جرّاء تسمّم أو مرض، أدى إلى تعطيله عن العمل مدة عشرة أيام، فتكون العقوبة من سنة حبساً حتى ثلاث سنوات، مع غرامة مالية لا تقل عن خمسين مليون ليرة».