في عيترون، تمثّل المساحات المزوعة أكثر من 7500 دونم من أصل 13000 دونم هي المساحة الإجمالية لبلدة 60% من أهلها مزارعون، بينما تحتضن أكثر من 70 مربياً للماشية. معطيات أدّى اجتماعها إلى ازدهار العمل التعاوني
مايا ياغي
تحتضن بلدة عيترون الجنوبية تعاونيات عدة، أنشئت الواحدة تلو الأخرى. كانت البداية مع «جمعية عيترون التعاونية للإنتاج الزراعي والحيواني»، عام 1986، وهي التعاونية الأولى التي سعت لتأمين عناصر ومستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني وتربية الدواجن. تلاها خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي تأسيس «الجمعية التعاونية الزراعية العامة في عيترون» التي حافظت حتى اليوم على نشاطها في مجالات توزيع النصوب والشتول والأدوية الزراعية على المزارعين. أما بعد التحرير، في صيف 2001، فقد تأسست «الجمعية التعاونية لزراعة وتصنيع الأعشاب العطرية والطبية في عين إبل وعيترون وحانين» بهدف النهوض مجدداً بقطاع الزراعة بعد زوال الاحتلال. في هذا السياق، تُعَدّ «الجمعية التعاونية للإنتاج والتسويق الزراعي والحرفي في عيترون» الولادة الرابعة للجمعيات التي تعنى بالنشاط الزراعي في البلدة، غذّى تضافر بعض الظروف المحيطة نموّها.
بدأت الجمعية خطواتها العملية بموجب القرار الرقم 217/2ت بتاريخ 18/12/2008، إثر دورة تدريبية أقامتها جمعية الشبان المسيحيين في البلدة، اتسعت دائرتها من الأشغال اليدوية إلى التصنيع الغذائي. تزامنت هذه الدورات مع رعاية البلدية عدداً من المشاريع تموّلها منظمة «Ucodep» الإيطالية، من ضمنها مشروع افتتاح معمل لإنتاج الألبان والأجبان. بعدما حاز الأعضاء التدريبات اللازمة، أُوكلت إدارة المعمل لجمعيتهم. كان التحدي الأول هو إعادة تفعيل قطاع المواشي بعدما كان مربوها قد استغنوا عن جزء كبير من قطعانهم بسبب تردي تسويق الحليب. مع تفعيل المعمل، عاد قطاع الإنتاج الحيواني للحياة، إلى أن بلغ متوسط عدد الأبقار الحالي للمزارع الواحد حوالى عشر أبقار.
وتشتهر بلدة عيترون منذ القدم بإنتاجها الحيواني، وخصوصاً الحليب واللبن، الذي كانت مدينة بنت جبيل تتلقفه بوصفها السوق الأول لتصريف الإنتاج. كان التسويق تقليدياً، حيث يوضع الحليب أو اللبن في «طناجر» كبيرة ويباع «بالكيلة» أو ما يسمى «جبلية»، إلى أن افتُتح المعمل، الذي أصبح ينتج أنواعاً مختلفة من الأجبان والألبان، فتطوّرت آلية التوضيب والتسويق لتشمل جميع أسواق الجنوب، وتحديداً القرى المجاورة كعيناتا، بليدا، مارون الراس، رميش، عيتا الشعب، وبنت جبيل طبعاً، وصولاً إلى العاصمة بيروت.
بدأ المعمل نشاطه بإنتاج 300 كيلوغرام من الحليب يومياً، ليصل إنتاجه حالياً إلى ما يقارب 1400 كيلوغرام في اليوم. يعود هذا الارتفاع في كميات الإنتاج إلى العنصر البشري، حيث تعمل 14 سيدة في الجمعية، وإلى إدارة جيدة للتكاليف، وإشراف جيد على نوعية الألبان التي لا يدخل تصنيعها أي من المركبات الصناعية، بينما تراقبه المهندسة جيزيل خوري من خلال فحص العينات اليومية ووضع ملاحظات حول نقاط الضعف والتطوير ومواكبة الأنواع الجديدة المنتجة في الأسواق. فالتحدي كبير، وخصوصاً في ظل وجود ثلاثة معامل تعنى بإنتاج الألبان والأجبان في الجنوب، إلا أن «الإنتاج ما زال يتميز بطابع التصنيع الريفي البلدي لعيترون، مع وجود الآلات والمكننة من حيث طرق الحفظ والتخزين، ما يحافظ على جودته» كما يقول إبراهيم السيد، أمين سر الجمعية. وبما أن الهدف الأول من المشروع كان تمكين مربّي المواشي في عيترون من البقاء في أرضهم والاستمرار في مهنتهم، فقد رافق مشروع الألبان والأجبان مشروع آخر، رعته البلدية، وهو معمل لإنتاج الأعلاف وتوزيعها على المزارعين، ما يفتح الباب أمام استغلال مخلّفات القطاع الحيواني، بالإضافة إلى مركز للخدمات البيطرية التي تهتم بصحة الأبقار، ما أتاح للبلدية وللجمعية فتح الباب لأكثر من خمسين عاملاً ومستفيداً من المشروعين وأعاد لمربّي الأبقار حيوية قطاعهم.
في المقابل، تواجه استمرارية المعمل العديد من التحديات، كما يشرح مديره زياد فقيه، بدءاً من ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع الكهرباء المستمر في الجنوب، ما يزيد من التكاليف التي هي مرتفعة أصلاً بسبب عدم استعمال مواد حافظة في المنتجات، ما يتطلّب تصريفاً سريعاً وتبريداً دائماً، إضافة إلى تحديات أخرى تفرض نفسها على الجمعية، يلخّصها رئيسها، المهندس حسن حمد، بـ«عدم وجود مركز للجمعية وعدم وجود معدات وتجهيزات تساعد الأعضاء في توسيع نطاق عملهم إلى تصنيع المونة البلدية وحتى المصنوعات الحرفية بطريقة حديثة، وخصوصاً أن التسويق خارج المنطقة يقتصر على المشاركة في معارض قليلة تقام في صور وصيدا ومعرض «أرضي» السنوي في بيروت».