ابنة الأحياء الدمشقية القديمة، عشقت الموسيقى منذ طفولتها. في بيت جدّتها، التقت أحمد رامي وإبراهيم جودت ووديع الصافي، فحلمت بالشهرة. الإذاعية السورية التي باتت معروفة اليوم، حذفت من حياتها وذكرياتها المحطّات الحزينة وأبقت الفرح
وسام كنعان
«ليس هناك بلد أجمل من سوريا لأولد فيه، ولا مدينة أجمل من باريس لأعيش فيها». بهذه الجملة تختصر هيام حموي مسيرة حياة تجاوزت ستين سنة. ابنة الأحياء الدمشقيّة القديمة لم تعش طفولتها في الحارات الشامية الضيقة، بل تلقّت تعليمها على أيدي الراهبات في حلب. أمّا دمشق، فتمثّل في مخيّلتها حتى اليوم مرتعاً للإجازة والفسحة والمتعة، وتذوّق الموسيقى في بيت جدّها الكائن في حي الصالحية.
جدّتها ثروت خانوم المشهورة حينها بصوتها الجميل وعزفها البارع على العود، هي مَن أورثت هيام عشقها للموسيقى. كوّنت لديها ذائقة ومخزوناً موسيقياً غنياً، إذ كانت تقيم استقبالات يحضرها أهم الموسيقيّين العرب، وخصوصاً السوريين والمصريين خلال الوحدة بين البلدين. تقول: «في بيت جدي، التقيت أحمد رامي وإبراهيم جودت ووديع الصافي، واستمعت إلى النقاشات الموسيقية، وتابعت كل حفلات أمّ كلثوم». النارنج والياسمين والليمون وأمسيات أم كلثوم... كل تلك الصور ظلّت حاضرة في ذاكرة هذه الإذاعية السورية، التي طوّعت مخزونها لاحقاً في ما قدمته من برامج موسيقية، وما أدارته من حوارات مع كبار الفنّانين العرب.
خلال طفولتها، داعبها مجد الشهرة طالما أنها كانت تلتقي المشاهير عن قرب. وفي زاوية أخرى، كان طموحها جموحاً للسلطة، ليس بسبب رغبتها في التملّك والقوة، بل لأنها أرادت مساعدة الضعفاء. خلال عودتها من إجازاتها في دمشق إلى مكان إقامتها في حلب، كانت تسحرها صور خيام البدو على الطريق، وتحفر في وجدانها مناظر المشرّدين والأطفال الحفاة في قرى نائية. لذا حلمت بأن تصل إلى مكان تستطيع من خلاله محو هذه المشاهد.
تفاجئنا هيام حموي حين تخبرنا بأنها نسفت كل لحظات الحزن والانكسار من حياتها. لم تعد تتذكّر سوى اللحظات الجميلة. بل إنها تخبّئ تلك اللحظات في حقيبة يدها وتسمّيها «ذهب الزمان». وبالفعل، تُخرج من حقيبتها زجاجة صغيرة ملأى بأوراق ذهبية وتقول: «كل ورقة في هذه الزجاجة هي لحظة جميلة عشتها. وهذه اللحظات هي خلاصة حياتي. حين أصاب بخيبة أمل، أتأمّل هذه الزجاجة وأستحضر لحظات حياتي المميّزة».
بدأت انطلاقتها الحقيقية مع تأسيس إذاعة «مونت كارلو» مطلع السبعينيات
هذه الزجاجة، ستستوحي منها اسم برنامجها «نثرات من ذهب الزمان»، الذي يُعنى بالطرب الأصيل، وتبثّه إذاعة «شام إف إم». دراستها للأدب الفرنسي في جامعة دمشق خوّلتها دخول القسم الفرنسي في إذاعة «دمشق»، لتعمل مذيعةً باللغة الفرنسية. هنا تتذكّر حموي حين جلست للمرة الأولى وراء الميكروفون على الهواء مباشرةً. وقتها، خانها صوتها وغاب نهائياً في حادثة لم تتكرّر. ورغم كل المحاولات، فقد فشلت في الاختبار الأول، ولم تستطع نطق كلمة واحدة، مع أنها كانت قد خضعت لتدريبات مكثفة.
دخولها معترك العمل قبل إنهائها الدراسة لم يخفّف من فضولها الدائم، ورغبتها في ترجمة أيّ كلمة تقرأها إلى الفرنسية: «كنت أحمل القاموس ودفتر ملاحظات صغير، ولا يمكن أن تفوتني أيّ جملة من دون أن أترجمها». تلك الحماسة نحو الفرنسية كانت تنبع من حلمها بأن تطأ قدمها أرض باريس. وبالفعل، استطاعت أن تكون الأولى على جامعة دمشق، لتوفدها الجامعة لإكمال دراستها «في تلك اللحظة، رقصت من فرحي في الشارع، ليس لأنني تفوّقت، بل لأنّ حلم باريس صار قريب المنال».
في باريس، أكملت الماجستير، ولم تستطع إكمال الدكتوراه حين سرقها العمل وفرصته، التي أتت باكرة للمرة الثانية. إذ عملت في أحد أقسام الإذاعة الفرنسية الرسمية فترةً قبل أن تبدأ انطلاقتها الحقيقية مع تأسيس إذاعة «مونت كارلو» مطلع السبعينيّات، لتعمل فيها عشرين عاماً. بعدها، نشب خلاف بينها وبين سياسة الإذاعة، فانتقلت إلى إذاعة «الشرق»، حيث أمضت عشر سنوات، ثم عادت ثانيةً إلى «مونت كارلو». لكنها هذه المرة عملت في ظل شروط صعبة، فآثرت الاستقالة والتفرّغ نهائياً لتدريب الإذاعيّين الشباب والكتابة للصحافة في مواقع عالمية.
البعد عن الاستوديو والميكروفون كان بالنسبة إلى هيام الغربة الحقيقية أكثر من بُعدها عن سوريا، وخصوصاً أنها كانت تنسج في بيتها أجواءً دمشقية بامتياز. حتى إنّ صديقها، الممثل فايق حميصي، كان يعلّق حين يزورها بأنّه يشعر كأنه في الشام. منذ ثلاث سنوات، عادت هيام إلى سوريا بعدما تلقّت عرضاً من صاحب إذاعة «شام إف إم» سامر يوسف. وبالفعل عادت لإدارة الإذاعة السورية الخاصة نحو تميّز واضح، مع ترك مساحة واسعة لفيروز والرحابنة: «مع «شام إف إم»، اختبرت صوتي وقدرتي على التواصل مع المستمع، واكتشفت أنّ الوقت ما زال مبكراً على التقاعد».
تذكر لقاءها بنزار قباني وسعاد حسني، وكيف خطف حكمت وهبة حلمها باستضافة فيروز
باريس بحراكها الثقافي والفني ساعدتها على استضافة أعلام الثقافة والفن العربي على مدار ثلاثة عقود، لكنّ طلاقة لسانها وصراحتها أثناء اللقاءات كانتا تتحوّلان إلى خجل بعدها. لم تعرف كيف تطوّر علاقتها بهؤلاء، أو تبني صداقات حميمة معهم. لكنها تذكر بطريقة مختلفة لقاءها بنزار قباني وسعاد حسني. وتذكر أيضاً كيف خطف زميلها في «مونت كارلو»، الراحل حكمت وهبة، حلمها عندما كان السبّاق إلى استضافة فيروز. وحتى اليوم، تأمل لقاء صاحبة الصوت الملائكي. في يوم ما، اتخذت هيام قراراً شخصياً بالعزوف عن الزواج «حتى لا اضطر إلى أن أكون ديكتاتورية في علاقتي مع أولادي». لكنها ترى في الإعلامية ريتا خوري ابنة حقيقيّة تؤمن إيماناً مطلقاً بموهبتها.
اليوم، تعكف هيام حموي على متابعة برامجها في إذاعة «شام إف إم»، إضافةً إلى إعدادها برنامجاً حواريّاً خاصّاً بشهر رمضان، يعتمد على استضافة مجموعة شخصيات فنية في سهرة واحدة. وتأمل أن تجد الوقت لإكمال رسالة الدكتوراه، وإكمال واحدة من مجموعة روايات بدأت بكتابتها سابقاً، وتتمنّى أن تملك القدرة على إفراغ الأرشيف الضخم الذي تحتفظ به، وتحويله إلى عمل فنّي شامل. في بهو فندق الشام، وعلى صوت العزف الحي للكمان والبيانو، سننهي حديثنا مع هيام حموي، من دون أن يفارقنا إحساس بأنها خبّأت من الأحداث والذكريات أكثر بكثير ممّا أخبرتنا به. وهو ما تعترف به «لست مع الإثارة، وأخشى من اتهامي بالاستعراض. لذلك، ستبقى أعماقي مَخبأً للكثير من ذكرياتي».


5 تواريخ

1946
الولادة في حلب

1969
السفر إلى باريس والعمل في الإذاعة الرسمية

1971
العمل في إذاعة «مونت كارلو»

2007
العمل في إذاعة «شام إف إم»

2010
تُعدّ برنامجاً حواريّاً في رمضان وتستعد لإفراغ أرشيفها وتحويله إلى عمل فني