12 سودانياً نفّذوا إضراباً عن الطعام في سجن جب جنين، مطالبين بترحيلهم بعد انتهاء محكوميّاتهم. نُقلوا أخيراً إلى بيروت، ويؤكّد مسؤولون في الأمن العام أنّ عملية ترحيلهم مرتبطة بتعاون سفارة بلادهم
البقاع الغربي ـ أسامة القادري
اثنا عشر سودانياً من نزلاء سجن جب جنين في البقاع الغربي، نُقلوا أول من أمس إلى مديرية الأمن العام اللبناني في بيروت، وذلك بناءً على إشارة النيابة العامة في البقاع. نُقل النزلاء بعدما نفّذوا إضراباً عن الطعام لأربعة أيام، باعتبار أنه الطريق الأقرب إلى تسريع عملية ترحيلهم إلى بلادهم، والأفضل من بقائهم «أسرى إلى أجل غير مسمّى». هؤلاء يحتجون لأن محكوميّاتهم انتهت منذ نحو شهر أو أكثر، ولكن لم يُطلَق سراحهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ سجن بعلبك شهد قبل أكثر من شهر إضرابات نفّذها سودانيون إما احتجاجاً على انتهاء محكوميّاتهم، أو لأنهم موقوفون منذ مدة طويلة ولم تصدر في حقهم أحكام قضائية.
ماذا بعد نقل نزلاء جب جنين إلى بيروت؟ المسؤولون الأمنيّون لا يعطون إجابة، يمكن القول إنّ المدة التي سيقضونها كموقوفين في العاصمة غير محدّدة. مسؤول أمني قال لـ«الأخبار» إنّ ذلك مرتبط بمدى تعاون سفارة بلادهم لترحيلهم. أي إنّ مصير نزلاء سجن جب جنين السابقين رهن تحرك السفارة السودانية في لبنان «فهي التي توفّر لرعاياها جوازات سفر أو تأشيرات، والنفقات الواجبة لتنفيذ حكم الترحيل وفق ما يقتضيه القانون اللبناني».
اتصلت «الأخبار» بمسؤول في سفارة السودان في بيروت فقال إنه لم يتابع القضية، وكان بعض المتحدثين في السفارة قد نفوا الأسبوع الماضي أيّ كلام عن إضراب ينفّذه سجناء سودانيّون.
طغى خوف في سجن جب جنين من أن يفقد أحد المضربين حياته أو تتدهور صحته
مسؤول أمني يتابع شؤون السجون أكد أنّ الموقوفين السودانيين «شُكّلوا إلى سجن جب جنين، من عدة سجون في روميه وزحلة وجبل لبنان، بعد انقضاء مدة محكوميّاتهم»، وأضاف: «من الطبيعي أن يعامَلوا كما يعامَل باقي السجناء، السجين سجين ولا يمكن أن يعامَل واحد بسمنة والآخر بزيت». يشدد المسؤول الأمني على أن المسؤولية في تأخير ترحيل الموقوفين الأجانب لا تقع على عاتق السطات اللبنانية وحدها. وحين يتعلق الأمر بالسودانيين المسجونين بتهمة دخول الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، فإن «السفارة السودانية مقصّرة بحق رعاياها في لبنان»، فهي «لم تسأل عن أيّ موقوف، ولم تساعد السلطات اللبنانية على تعجيل تنفيذ ترحيل مواطنيها وفق الأطر القانونية»، يضيف المسؤول إنّ الإضراب عن الطعام الذي نفّذه المحتجون «جاء لتعجيل ترحيلهم إلى بلادهم، ما خلق بلبلة في السجن، للعناصر وللسجناء، خوفاً من أن يفقد أحد المضربين حياته، أو تتدهور صحته جراء تمنّعه عن الأكل والشرب في أوقات ارتفاع درجات الحرارة»، لذا تكوّنت مروحة اتصالات بين فصيلة جب جنين والنيابة العامة وجهاز الأمن العام والسفارة السودانية في لبنان، لاحتواء الأمر، هكذا نُقل المحتجّون من البقاع إلى دائرة الأمن العام اللبناني عملاً بقانون ترحيل الأجانب.
مسؤول في الأمن العام اللبناني أوضح لـ«الأخبار» أنّ آلية الترحيل «لا يمكن العمل بها فور انتهاء مدة حكم كل سجين أجنبي، المشكلة ليست عندنا بل عند السفارات المعنية بجالياتها، فمن المفترض أن تقوم هي بتغطية تكاليف الترحيل، وأن توفّر تأشيرات إذا لزم، وتوفّر الأوراق الثبوتية لمن جرى إتلاف جوازات سفرهم فور دخولهم الأراضي اللبنانية، أو صادرها منهم المهربون في انتظار أن يتلقّوا منهم دفعات مالية»، يضيف المسؤول متسائلاً «لماذا نريد الاحتفاظ بهم وتحمّل مسؤولية حياتهم، وكلفة مأكلهم ومشربهم ونومهم شهوراً».
المسؤول رأى أنّ ترحيل الموقوفين لا يكون على عاتق الأمن العام اللبناني، بل تتولاه سفاراتهم. ويشير إلى أن بعض السفارات ترمي المسؤولية على عاتق السلطات اللبنانية، في محاولة منها لكسب الوقت، وحين يصير عدد الواجب ترحيلهم كبيراً، ترحّلهم السفارة بعد أن تتمكّن من خفض تكاليف تسفيرهم، يلفت المسؤول «نعاني كثرة المتسللين، بطرق غير شرعية، وقبل أن تتولى سفاراتهم أمر ترحيلهم من الطبيعي أن يبقوا موقوفين في السجون إلى حين نحن لا نعرف وقته».


لقطة

الإضراب عن الطعام، واستمرار الحجز بعد انتهاء المحكوميات، حلقتان في سلسلة عذابات يعيشها السودانيون الذين يحاولون الدخول خلسة إلى لبنان. فهؤلاء يهربون من جحيم الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في بلادهم، ويحاولون البحث عن لقمة العيش أينما توافرت.
معاناة السوادنيّين تستمر خلال محاولتهم دخول الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية، المهرّبون يعاملونهم بأساليب تفتقد الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، يضربونهم ويرمونهم بالشتائم. ثم يسيرون مسافات طويلة في الجبال الوعرة. في الشتاء لا يحتمل بعضهم البرد القارس فيُتركون حتى يموتوا، وقد يفقد البعض الحياة في مياه نهر أو بركة. من يصل «سالماً» عليه أن يحتمل الروائح البشعة في المزارع التي يُزَج فيها، ثم يُنقل المهرّبون في سيارات بيك آب إلى بيروت، تُصفّ فوقهم صناديق من بضائع متنوّعة. كل ذلك يجري مقابل مبلغ مالي يتقاضاه المهرّب منهم.