لم يأت قرار الجامعة العربية حيال سوريا من فراغ، بل جرى التمهيد له خلال الأشهر الأربعة من تعاطي الجامعة مع الوضع السوري. وتردد منذ فترة أن طريقة تعامل الجامعة العربية مع المسألة السورية قد تخرج عن اتجاهها العام المعلن بأن مهمتها تنحصر في مساعدة السوريين من النظام ومعارضيه على إيجاد حل داخل البيت العربي. وكرر الأمين العام للجامعة نبيل العربي ورئيس اللجنة الوزارية العربية رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم أن الجامعة تعمل على تجنيب سوريا التدخل الخارجي، وتسعى بكل الوسائل من أجل عدم تكرار السيناريو الليبي في سوريا. ورغم التأكيدات المتواصلة أن الحالة السورية لا تلتقي مع الحالة الليبية، فإن الكثير من الأطراف المراقبة ظلت ترى أنه ليس هناك ما يمنع من أن يأخذ الملف السوري مسار نظيره الليبي نفسه مع اختلاف في المعطيات والوقائع. وما هو ماثل في الأفق منذ أكثر من شهر هو أن يتبنّى العرب القضية السورية، ويعملون على إيصالها إلى المحافل الدولية تحت بند توفير الحماية الدولية للمدنيين، وذلك من خلال اللجوء إلى الأمم المتحدة.

الجديد في قرار الجامعة العربية لا يقف عند خرق الميثاق الخاص بتعليق العضوية الذي يتطلب إجماع الدول الأعضاء، بل يتعدّاه اليوم إلى دخول الجامعة طرفاً في الأزمة، وهذه هي السابقة الثانية لهذا العام بعد ليبيا التي جرى تجميد عضويتها في شباط الماضي، ورفعت الجامعة ملفها إلى الأمم المتحدة. ويمكن تشخيص هذا التطور من خلال الفقرات 2 و3 و6. وتقول الفقرة الثانية «توفير الحماية للمدنيين السوريين وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما فيها الأمم المتحدة وبالتشاور مع أطياف المعارضة السورية، لوضع تصوّر بالإجراءات المناسبة لوقف هذا النزف وعرضها على مجلس الجامعة الوزاري للبت فيها في اجتماعه المقرر يوم 16/11/2011».
تحمل هذه الفقرة مدخلاً واضحاً للتدويل بغطاء عربي، وذلك لعدة أسباب، يبقى أهمها أنها تلتقي مع دعوات المعارضة السورية العلنية بصدد «الحماية الدولية»، وتعدّ تبنّياً صريحاً لمطالبات المجلس الوطني السوري الذي كرر في بياناته خلال الأسبوع الأخير وتصريحات زعمائه لازمة واحدة، وهي الطلب من جامعة الدول العربية إحالة الملف السوري على مجلس الأمن، وارتفعت أصوات تنادي بالإسراع في هذا الإجراء الذي يجري التعويل عليه سبيلاً وحيداً من أجل تجريد النظام السوري من ورقة الحل الأمني، تمهيداً لحشد الشارع ضده.
والفقرة الأخرى التي تستحق التوقف عندها هي الثالثة التي تنص على «دعوة الجيش العربي السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين». ومن الناحية الشكلية، تبدو هذه الدعوة أنها ذات همّ إنساني مباشر، ولكنها من حيث المضمون تدعو العسكريين إلى العصيان، وتكتسب أهمية بالنظر إلى الحديث الجاري عن حصول انشقاقات وأعمال تمرد وهروب من الخدمة العسكرية. وإذا صحّت الأرقام التي ذكرها أمس ضابط (عمار الواوي) في ما يسمّى الجيش السوري الحر، فإن أرقام العسكريين المنشقين تتزايد في كل يوم، ووصلت إلى 25 ألفاً. وما يمكن أن توفره دعوة الجامعة لهؤلاء أنها تفتح الباب أمام تأطيرهم وتأمين غطاء شرعي لهم، ومن غير المستبعد أن يُستخدم هؤلاء نواة يجري الاعتماد عليها في بعض المناطق الحدودية القريبة من تركيا، باعتبار أن هؤلاء الجنود يقيمون في معسكرات داخل الأراضي التركية.
وبالقياس إلى الفقرتين السابقتين، تعدّ الفقرة 6 الأكثر أهمية في كل ما جاء في القرار، وهي تمثّل سابقة أولى في عمل جامعة الدول العربية منذ تأسيسها. وتدعو الفقرة السادسة «جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع في مقرّ الجامعة العربية خلال ثلاثة أيام للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سوريا، على أن ينظر المجلس في نتائج هذا الاجتماع ويقرر ما يراه مناسباً بشأن الاعتراف بالمعارضة السورية». والعنصر البارز في هذه الدعوة هو أن الدول العربية قد دخلت بالفعل في مرحلة التخطيط لما بعد حكم الرئيس بشار الأسد، وهي تتحدث هنا عن «مرحلة انتقالية»، وليس عن حل لمعالجة الأزمة. وكما هو واضح، فإن الأمر يبدو محسوماً ولا ينقصه سوى الاتفاق مع المعارضة على الترتيبات الإجرائية. وإلى حين انتهاء المهلة التي حددتها الجامعة للحكم السوري في السادس عشر من الشهر الجاري، فإن العمل منصبّ على توحيد رؤية أطراف المعارضة من حول هذا الهدف، وتشهد الدوحة والقاهرة لقاءات بين شخصيات معارضة ومسؤولين عرب تدور حول توحيد المعارضة على نحو يؤدي إلى المساعدة في بناء الإجماع الدولي بشأن الموقف إزاء سوريا في مجلس الأمن. وترى أوساط عربية أن الاعتراف بالمعارضة السورية من طرف الجامعة العربية سيكون المدخل إلى عزل الحكم السوري سياسياً، وربما أعقب ذلك تسليم السفارات والبعثات الدبلوماسية إلى المعارضة.