دمشق | هموم اقتصادية ومعيشية كثيرة تشغل بال السوريين حالياً، أكانوا رجال أعمال أم مواطنين، في ظلّ الأزمة التي تضرب البلاد. ولم يكن ينقص هؤلاء سوى صدور تقرير عن صندوق النقد الدولي أخيراً، خلص إلى أن الاحتجاجات المستمرة في سوريا كلّفتها خسارة مالية إجمالية بحدود 27 مليار دولار. رقم هائل تنفي المصادر الحكومية صحّته، بينما يتساءل الاقتصاديون عن حقيقته وعن المعايير التي أخذ بها لتحديده، وخصوصاً أن أي مؤشر اقتصادي لا بد من أن يظهر بنهاية العام عند احتساب الناتج المحلي الاجمالي وقيمة الاستثمارات والانتاج المحلي الاجمالي والقيمة المضافة المحققة.
ويرى وزير المال السوري الدكتور محمد جليلاتي، في حديث مع «الأخبار»، أن أي إحصائية مماثلة لتلك التي صدرت عن صندوق النقد «لا تظهر بعملية حسابية، إنما هي أرقام اعتباطية غير مبنية على دراسة علمية لأن الأرقام الإحصائية موجودة في سوريا، وإذا كنا توقعنا سابقاً تحقيق معدّل نمو 5 في المئة، فقد يكون الآن انخفض إلى 1 أو 2 في المئة».
ويرى جليلاتي أنه «في ظل الواقع الحالي، لن يرتفع هذا المعدل مباشرة بل تدريجياً ليكتمل في العام المقبل لأن رجال الأعمال لا يعملون بكل طاقاتهم، وهناك أموال مجمدة لدى المواطنين وعلينا الانتظار حتى العام المقبل لتدور عجلة الإنتاج بنحو طبيعي». ويطمئن الوزير إلى أن سوريا «تمتلك كل مستلزمات الإنتاج والمخازين الإستراتيجية لأكثر من سنة، ولا يمكن وصف ما يحدث من تراجع في الاقتصاد السوري بالخسارة، بل هو انخفاض في معدلات النمو، وهذا أمر حاصل في كل بلدان الشرق الأوسط وجميع بلدان أوروبا نتيجة الأزمات وازدياد المديونية».
وفيما يصف الوزير أرقام صندوق النقد بأنها «مجرّد تنبّؤات»، يشير إلى أن أي خسارة لم تعرف حتى الآن على صعيد الاقتصاد، «فالإيرادات مخطَّط لها والإنفاق يغطَّى بالكامل، أما بالنسبة إلى تقلُّص الاقتصاد أو الانكماش، فلسنا الوحيدين الذين نعاني من هذه الحالة بسبب ما تعيشه بعض الدول من مديونية خارجية تؤدي بالضرورة إلى قيامها بخفض إنفاقها العام ومعدلات الرواتب».
وبالعودة إلى الرقم المعلَن (27 مليار دولار) للخسائر المقدّرة عن الأحداث السورية منذ منتصف آذار الماضي، يرى اقتصاديون أن الخسارة بالتأكيد موجودة، لكن احتساب قيمتها ليس بهذه البساطة التي صدرت بها ضمن التقرير. وبحسب بعض الخبراء، «نحن بألف خير مقارنة مع قساوة الظروف والضغط الخارجي والاقتصادي والسياسي، بدليل أنه حتى الآن، بقيت البنية الاقتصادية أفضل مما كان متوقعاً». وعن الرقم الوارد لحجم الخسارة الاقتصادية نتيجة الأحداث الأمنية والسياسية، يقول مدير العلاقات العربية والدولية في وزارة الاقتصاد محمد كنعان لـ«الأخبار»، إن هذا الرقم «بالتأكيد غير صحيح، فحتى لو افترضنا أن حركة الصادرات كلها توقفت بما فيها النفطية، وحتى لو تأثر العائد من السياحة، فلن نصل إلى نصف هذا الرقم ولا سيما أن اقتصادنا متنوع».
ويشدد كنعان على اهتمام حكومته بالتعويض عن إقفال السوق الأوروبية أمام البضاعة السورية من خلال السعي إلى فتح أسواق جديدة تعوض عن نتائج العقوبات. غير أن المسؤول الاقتصادي يقرّ بالتأثير السلبي للعقوبات المصرفية، كذلك الأمر بالنسبة إلى الاستثمارات، «لكن إذا لم نستطع جذب الاستثمارات بالحجم المتوقع، فهذا الأمر لا يُعد خسارة»، ليعرب في النهاية عن تفاؤله بأن سوريا «امتصّت الصدمة الأولى وهي الأقسى والأقوى، وطالما استطعنا التعامل معها، فلن تكون الخسائر أكبر مما شهدناه».
وفي ظل تراجع الوضع الاقتصادي، اتجه عدد كبير جداً من أصحاب العمل إلى تسريح الموظفين لديهم، وبالتالي لم يعد الباحث عن وظيفة في سوق العمل السوري يتطلع سوى نحو العمل الحكومي بعدما كان القطاع الخاص أول من قام بالاستغناء عن الموظفين نتيحة لتردّي الأوضاع الاقتصادية بعد مضي سبعة أشهر ونصف الشهر على الأحداث الداخلية. وبموازاة تسريح العمال أو إعطاء اجازات دون راتب أو خفض الرواتب في القطاع الخاص، أعلنت الحكومة عن إجراء مسابقات للتوظيف في مختلف الوزارات، وهو ما جعل هذه الوظائف هدفاً للعاطلين من العمل، لتصبح الوظيفة الحكومية هي الضامن للمستقبل أكثر مما كانت سابقاً. وفي إحصائية صادرة عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية، يظهر أن عدد العمال المنفكّين عن سوق العمل وصل إلى 76710 منذ بدء الأزمة، أما عدد العمال الملتحقين بسوق العمل فهو 82906. كذلك لوحظ من خلال أرقام الانفكاك والالتحاق الواردة في الاحصائية أن محافظتي دمشق وحلب لم تتأثرا، وأن محافظتي حمص وحماه كانتا أكثر محافظتين حصل فيهما ترك للوظائف. غير أن هذه الأرقام، ولا سيما المتعلقة بأعداد المنفكين عن العمل، لا توضح الصورة كاملةً إذ ليس كل من ترك عمله مسجَّلاً في التأمينات الاجتماعية لكون النسبة الأكبر من موظفي القطاع الخاص غير مشمولين بالتأمينات نتيجة تغاضي أصحاب العمل عن تسجيلهم.



يؤكد جليلاتي أن العقوبة الوحيدة التي وقعت على الصادرات النفطية «قمنا باحتوائها من خلال تأمين جهات أخرى تستورد النفط الخام وكذلك الأمر في ما يتعلق بالمشتقات النفطية، بعدما فُتحت أقنية للتبادل التجاري مع روسيا والهند والصين لكون أوروبا ليست كل العالم وهي أصلاً تعاني من مشاكل اقتصادية، وهكذا بقيت سوريا بعيدة عن انعكاسات مشاكل التضخم لعدم اندماجنا بالاقتصاد العالمي».