يستعد أعضاء حزب العمل لدورة ثانية حاسمة، اليوم، لانتخاب رئيس جديد للحزب، حيث تدور المنافسة بين عضوي الكنيست شيلي يحيموفيتش وعمير بيرتس، بعدما فشل الاثنان خلال الدورة الأولى في الحصول على نسبة الأربعين في المئة اللازمة للفوز بزعامة الحزب من الجولة الأولى. وكانت النتائج النهائية للجولة الأولى التي جرت يوم الاثنين، في 12 أيلول 2011، قد أدّت إلى حلول يحيموفيتش في المرتبة الأولى بحصولها على 32 في المئة تقريباً من أصوات الناخبين، يليها بيرتس مع 31 في المئة، ثم الخاسر الأول يتسحاق هرتسوغ (25%)، وعميرام متسناع (12%). وفور صدور النتائج، سارع الفائزان إلى الإعداد للجولة الثانية عبر مغازلة الخاسريْن، هرتسوغ ومتسناع، لكسب تأييدهما في الجولة الثانية، فأعلن متسناع تأييده لبيرتس، بينما فضل هرتسوغ الحياد ومنح أنصاره حرية التصويت. وإذ يتوقع أن تشهد الجولة الثانية سخونة شديدة بين المتنافسين، في ضوء حملة الاتهامات المتبادلة على خلفيات سياسية وعنصرية، تركّز اهتمام المراقبين في إسرائيل تحديداً على نقاط ثلاث، ميّزت جولة الانتخابات هذه عن كثير من سابقاتها، وهي تحول الانتخابات داخل حزب العمل من شأن حزبي داخلي إلى شأن حزبي عام، وصحوة «المارد الطائفي ـــــ العنصري»، وتوقع حصول انشقاقات جديدة داخل الحزب.
تدخّل الأحزاب الأخرى، ولا سيما «الليكود» و«كديما»، في عملية انتخاب رئيس جديد لحزب «العمل»، كان ميزة بارزة طبعت هذه الانتخابات، بحيث يمكن القول إن انتخاب زعيم لحزب «العمل» تحول إلى تنافس حقيقي بين «الليكود» و«كديما». تنافس خرج عن دائرة التمنيات ليتجسّد في مواقف وتصريحات علنية، وحتى مساهمات مالية، من مسؤولين في الحزبين، لمصلحة أحد المرشحين، إذ ظهر واضحاً أن يحيموفيتش هي مرشحة نتنياهو والليكود، مقابل بيرتس كمرشح لحزب «كديما»، وحتى إن بيرتس، الذي لم ينكر تأييد زعيمة «كديما» تسيبي ليفني له، رفع شعار: «انتخب يحيموفيتش، تنتخب نتنياهو». وبطبيعة الحال، فإن اهتمام نتنياهو وليفني، بهوية الزعيم الجديد، ينبع أساساً من الحسابات الشخصية والحزبية ـــــ السياسية لكل منهما، ولا سيما في إطار استعدادهما للمعركة الانتخابية المقبلة، والتأثير المستقبلي لـ«العمل» على الخارطة الحزبية في إسرائيل وعلى موازين القوى فيها، وتحول إلى «بيضة القبان» في كل عملية لإنشاء الائتلاف الحكومي المقبل، وخصوصاً أن ثمة من يعتقد أن حزب العمل أمام فرصة، ربما أخيرة، لإعادة مكانته اللائقة، وأن بيده الآن ورقتين قويتين: حركة الاحتجاج الاجتماعي التي تبحث عن قائد، والفشل الذريع لـ «كديما» في تثبيت نفسه كقائد قوي للمعارضة.
وفيما يستند نتنياهو في تأييده يحيموفيتش إلى تقديره بأن فوزها سيوجه ضربة قاسية شخصية وانتخابية إلى غريمته ليفني، من خلال إضعاف مكانتها داخل «كديما» لمصلحة الرجل الثاني في الحزب شاؤول موفاز، تعتقد ليفني أن فوز بيرتس، سيوفر عليها مخاطر يحيموفيتش، وسيعزز زعامتها في «كديما»، ويقلل من عدد المقاعد التي يمكن أن يخسرها حزبها لمصلحة «العمل». وما يعزز هذا الاعتقاد النتائج التي أظهرها استطلاع للرأي العام، إذ أفاد أن حزب العمل برئاسة يحيموفيتش سيحصل على 22 مقعداً في الكنيست (8 مقاعد حالياً) إذا جرت الانتخابات اليوم. في المقابل، يحصل على 18 مقعداً، إذا ترأس الحزب عمير بيرتس. وبحسب المعطيات الإحصائية فإن يحيموفيتش وبيرتس سيزيدان من مقاعد «العمل» على حساب «كديما»، إذ إن «العمل» برئاسة يحيموفيتش يؤدي إلى تراجع «كاديما» بـ6 مقاعد، فيما يخسر «كديما» 4 إذا ترأس بيرتس حزبه.
كذلك أظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، عودة قوية للانقسام الطائفي داخل «العمل»، بين الأشكيناز من جهة، أو «القبيلة البيضاء» على حد وصف العديد من المعلقين، وبين غيرهم، ولا سيما العرب واليهود الشرقيين من جهة ثانية، وهو انقسام أشار إليه بيرتس، ذي الأصول المغربية، وعدّه مؤشراً على انتشار التصويت العنصري. وبالفعل، فقد أظهرت الخارطة الديموغرافية والجغرافية لاتجاهات تصويت أعضاء حزب العمل، أن الغالبية العظمى من أعضاء «القبيلة البيضاء» صوتت لمصلحة يحيموفيتش، بينما صوتت الغالبية العظمى من الأعضاء العرب في حزب العمل وكذلك الأعضاء المقيمين في بلدات التطوير في الضواحي، وفي منطقة الجنوب تحديداً، لمصلحة بيرتس.
إلاّ أن التحدي الأبرز والأخطر الذي سيواجهه الحزب يتمثل في وحدته والتسليم بزعامة الرئيس الجديد، والخشية من حصول انشقاقات جديدة، في ضوء تقدير العديد من المراقبين بأن فوز يحيموفيتش، سيدفع ببيرتس إلى الانشقاق بصحبة ثلاثة أعضاء كنيست على الأقل، وتأليف قائمة جديدة، أو الانضمام إلى «كديما».