استمرّت أعداد ضحايا العنف في سوريا بتصدُّر المشهد العام في البلاد، مع وصول حصيلة قتلى «جمعة ماضون حتى إسقاط النظام»، أمس، إلى 27 على الأقل بحسب مصادر المعارضة وتنظيماتها، في ظل رواية مناقِضة تماماً لإعلام النظام الذي شدد على أن قتيلاً واحداً سقط في التظاهرات، وهو من عناصر الأمن. أما سياسياً، فظلّت تركيا هي الأبرز، مع نفي وزارة خارجيتها نفياً قاطعاً أن تكون السلطات التركية قد سلّمت المقدم المنشق حسين هرموش، إلى نظيرتها السورية، ومكررة، على لسان رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان، موقفها من أن «زمن الطغاة ولّى»، ومحذّرةً في الوقت نفسه، إيران، من مغبّة الاستمرار في دعم الرئيس بشار الأسد. وقالت «الهيئة العامة للثورة السورية»، إنّ 27 قتيلاً سقطوا برصاص قوات الأمن السوري، جلّهم في ريف حماه وحمص ومحافظة إدلب ودوما قرب العاصمة دمشق. وأفاد ناشطون بأن قوات الأمن مدعومة بالجيش اقتحمت بصرى الحرير وخربة غزالة وتسيل في محافظة درعا، وذكروا أن هذه القوات هدمت مئذنة مسجد مصعب بن عمير في بصرى الحرير. وكانت بلدات ريف دمشق قد شهدت بدورها تظاهرات عديدة، أبرزها في الكسوة تضامناً مع الضابط المنشق حسين هرموش والزبداني ودوما وداريا، إلى جانب تظاهرات في حي كفرسوسة بالعاصمة وحي الميدان وفي نهر عيشة وحي النازحين بمدينة حمص وحي الخالدية وتلبيسة والرستن، فضلاً عن دير الزور والحسكة.
وفي السياق، تحدث ناشطون عن حملة أمنية كبيرة على معرة النعمان في محافظة إدلب. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارِض بالعثور على ثماني جثث: ست في جبل الزاوية واثنتين في حمص. وبحسب «المرصد»، قُتل القسم الأكبر من هؤلاء الأشخاص في الساعات الـ24 الماضية خلال عمليات شنتها قوات الأمن على تلك المنطقة المحاذية للحدود التركية.
في المقابل، أوضح التلفزيون السوري أن أحد عناصر الجيش سقط وأصيب 6 آخرون بجروح «في كمين نصبته مجموعات مسلحة لدورية مشتركة من عناصر الجيش وقوات حفظ النظام» في بساتين منطقة دوما بريف دمشق أول من أمس. نبأ مشابه بثّه التلفزيون ويفيد بمقتل عنصر من قوى الأمن وجرح أربعة آخرين في محافظة درعا أمس، وذلك على يد «مجموعات إرهابية مسلحة». وأشار المصدر الرسمي نفسه إلى أن مخيم خربة الجوز في محاظة إدلب «الذي أقامه مسلحون قرب الحدود التركية»، قد أُزيل، وأن مجموع المتظاهرين في أرجاء سوريا أمس «لم يبلغ سوى 4000 شخص، لم يقتل أو يجرح أحد منهم». وأوضح المصدر أنه عُثر في مخيم خربة الجوز على «40 سيارة منها 30 سيارة حكومية مسروقة».
وفي جنيف، أدانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر «الهجمات على الخدمات الطبية في سوريا»، مؤكدة أن فرق الإغاثة وسيارات الإسعاف تعرضت لإطلاق النار مراراً في البلاد. وكان متطوع في «الهلال الأحمر العربي السوري» قد توفي هذا الأسبوع جراء إصابات لحقت به أثناء تأديته واجبه، بحسب ما أشارت اللجنة الدولية.
على صعيد آخر، نفت وزارة الخارجية التركية نفياً قاطعاً أن تكون قد سلّمت المقدم المنشق عن الجيش السوري، حسين هرموش، إلى سوريا، لأنها «لا تنوي أبداً إرسال أو ترحيل أي من المواطنين السوريين الذي لجأوا إليها إلى بلادهم من دون موافقتهم». ونقلت وكالة أنباء (الأناضول) عن بيان وزارة الخارجية قوله إن «فكرة إعادة أو ترحيل السوريين إلى بلادهم من دون موافقتهم ليست مطروحة بتاتاً». وجزم البيان بأنّه «يجب التوضيح بحزم أن الادعاءات التي تحدثت عن تسليم تركيا المواطن السوري حسين هرموش لا أساس لها نهائياً».
ومن المرتقب أن يكون الملف السوري موضوع اجتماع سيجمع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وأردوغان في نيويورك يوم الثلاثاء المقبل وفق ما أعلنه نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بين رودس. لقاء استبقه أردوغان من ليبيا، بانتقاد الأسد ونظامه، مؤكداً أن «عصر القادة الطغاة قد ولى»، لافتاً إلى أن الليبيين «أثبتوا للعالم أنه لا يوجد نظام يمكن أن يسير ضد إرادة شعبه، وهذا ما يتعين أن يفهمه أولئك الذين يقمعون الشعب في سوريا». وتابع: «لا تنسوا هذا: من يمارس القمع على الشعب في سوريا لن يمكنه الوقوف على أقدامه». وأضاف، من دون أن يذكر الرئيس السوري بالاسم، «على هذا النوع من القادة أن يفهم أن زمنه قد ولى». وكانت صحيفة «حرييت» التركية قد نقلت عن أردوغان تشديده، في طريقه من تونس إلى ليبيا، أنه حثّ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على التوقف عن دعم نظام الأسد. ووفق «حرييت»، قال أردوغان: «لا يمكنني الحديث عن وجود توتر مع إيران، لكن في ما يتعلق بسوريا، لقد حذرتهم من أن نظام الأسد بات مستكبراً جراء تشجيعهم». وعن هذا الموضوع، لفت إلى أنه تناول المسألة هاتفياً مع نجاد، وأرسل بعدها «موفداً خاصاً تباحث معه، وقد حصل تغير في موقفهم». وكشف أنه يعتزم إرسال رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان إلى طهران للتباحث في المسألة، ملمحاً إلى إمكان توجهه شخصياً إلى إيران لهذا الهدف في وقت لاحق.
في غضون ذلك، رحّبت الولايات المتحدة بتأليف المعارضة السورية «المجلس الوطني» من إسطنبول. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر «نحن نحيّي جهد» المعارضة، رغم اعتباره أنّ «من الصعب جداً عليهم تنظيم أنفسهم سياسياً ووضع برنامج وإعلانه في الوقت الذي يتعرض فيه أعضاؤهم وقادتهم للمطاردة والقتل». وكانت الولايات المتحدة قد حثّت رعاياها على مغادرة سوريا «على الفور مع توافر وسائل النقل التجارية». أما بكين، فقد جددت دعوتها إلى ضرورة أن تساعد أية إجراءات إضافية يتخذها المجتمع الدولي على تهدئة التوترات في سوريا، معربةً عن أملها أن «يتّبع المجتمع الدولى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويحترم تماماً الاستقلال السيادي لسوريا وسلامة أراضيها».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)