حزب «العمل» الإسرائيلي يعيش أزمة لا تزال سارية المفعول. المنافس الأزلي على رئاسة الوزراء منذ قيامه حتى عام 2006، يعيش اليوم ضربةً تلوَ الأخرى. كانت الضربة الأخيرة هي انفصال رئيس الحزب السابق إيهود باراك مع أربعة أعضاء آخرين عن الحزب لإنشاء حزب جديد اسمه «عتسمؤوت»، ليس لضرورة المرحلة، بمقدار ما هو ضمان البقاء في حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً أن باراك كان يعلم بأنه لن يفوز برئاسة الحزب ثانية.
ولعل باراك، الذي كان أحد القادة الواعدين في الحزب بعد اغتيال اسحاق رابين، وخسارة شمعون بيريز أمام بنيامين نتنياهو عام 1996، والذي أعاد الحزب الى السلطة عام 1999، هو نفسه الذي قاد الحزب الى أكثر من هاوية، أبرزها الخسارة الفادحة أمام أرييل شارون عام 2001، وعودته إلى قيادة الحزب عام 2007، ودخوله حكومتي «كديما» و«الليكود»، وصولاً الى انفصاله أخيراً قبل ثمانية أشهر.
حزب «اليسار الصهيوني»، الذي بدّل سبعة قادة في العقد الأخير، يعيش حالة متراجعة. وقد تحوّل حزب «العمل» منذ عام 2001 الى ورقة «جوكر» في أيدي الحكومات الاسرائيلية، وجلس إلى جانب شارون، ومن بعدها إلى جانب أولمرت عام 2006، ومن ثم إلى جانب نتنياهو عام 2009 إلى حين انقسامه عام 2011.
برنامجه السياسي توافق مع برنامج اليمين. هذه التبعية، جعلته حزباً رمادياً، لا يمتاز في الحكومة لكونه ليس الحزب الحاكم، ولا المعارضة، لكونه في الحكومة. خطوات كانت كفيلة بفقدانه برنامجه السياسي. في هذه الأيام يحاول الحزب أن يشفى من الضربة التي تلقاها من ايهود باراك. فعدد مقاعده في الكنيست، الذي كان 13، انخفض الى 8 بعد انفصال باراك، ليستفيق الحزب، الذي اعتاد أن يكون في القمم على مدار عقود، على واقع جديد. حزب «العمل» اليوم هو حزب صغير «يطمح لأن يكون متوسطاً»، كما قال محلل شؤون الأحزاب في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، ليعود إلى الحلبة السياسية.
أمس، توجه أعضاء الحزب إلى اختيار مرشح الرئاسة من بين أربعة، شيلي يحيموفيتش، عامير بيرتس، يتسحاق هرتسوغ وعمرام ميتسناع. استطلاعات الرأي منحت يحيموفيتش وبيرتس لقب المنافسَين الأقوى. لكن استطلاعات الرأي عادة في الانتخابات التمهيدية لا تصيب كثيراً، على الأقل في ما يتعلق بالدولة العبرية. لكل واحد من المنافسين رؤية مختلفة، لكنهم جميعاً قيد الجدل.
يحيموفيتش كانت صحافية، ومن أبرز المقدمين في القناة الإسرائيلية الثانية. استقالت من الصحافة وانضمت إلى عامير بيرتس عام 2005 عندما فاز الأخير بقيادة حزب العمل. تطرح يحيموفيتش شعارات عن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. الاحتجاجات الأخيرة في إسرائيل دفعت حظوظها إلى الأمام، لكن في نفس الوقت، ليس واضحاً ما هي أجندتها السياسية. قبل أسابيع قليلة، نشرت صحيفة «هآرتس» مقابلة معها، ولأول مرة تعلن يحيموفيتش أنها لا ترى في الاستيطان خطيئة. تصريحاتها اليمينية كانت مفاجئة، وخصوصاً أنها داعية «إلى العدالة الاجتماعية».
من جهته، يعود عامير بيرتس بقوة. قد تبدو حاله السياسية أفضل مما كانت عليه. لقد فرض حضوره ثانية إثر تحطم صورته بعد حرب لبنان الثانية، لكنه عاد ليكون أحد القادة في «العمل»، حتى لو لم يفز. عوامل كثيرة ساعدت «القيادي الشرقي» على التنافس، بدءاً بغياب ايهود باراك وصولاً الى الاحتجاجات الاجتماعية وعمله التنظيمي. إذا لم يفز بيرتس في الجولة الأولى، فإن احتمالات نجاحه في الجولة الثانية تقترب من الصفر. أما عمرام ميتسناع، فكان «أملاً» لحزب العمل ذات يوم بعد خسارة باراك أمام شارون عام 2001. دخل المعترك الحزب بعدما كان رئيساً لبلدية حيفا، وقائداً لمنطقة المركز في الجيش الاسرائيلي. الجنرال السابق تجنب المواجهات السياسية. في عام 2003 ترشح لرئاسة الوزراء، لكن شارون تغلب عليه هو ايضاً. لم يستطع ميتسناع أن يوحد الحزب المفكك. خاض حروباً داخلية في العمل، وخرج منها «خاسراً»، وهو دخل الانتخابات الحالية متأخراً، لذلك فإن فوزه سيكون مفاجأة.
يتسحاك هرتسوغ، شخص تمتع دائماً بشعبية واسعة في حزب العمل، عندما كانت حال الحزب أفضل. يرفع شعار «توحيد الحزب»، لكن ليس هذا هو أساس المعركة. هرتسوغ محسوب على التيار الذي شارك في حكومات اليمين. ورافق ايهود باراك إلى حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة وبقي فيها حتى انفصال باراك عن العمل. وهذه نقطة لا تحسب لصالحه، وخصوصاً أن رؤياه لطرح البديل لا تبدو موفقة، وهو الذي خدم في حكومة بنيامين نتنياهو.
ثمة فرصة أمام الحزب لتحسين صورته المحطمة. سبق أن كان حزب «الليكود» في وضع مشابه بعد فوز ايهود باراك برئاسة الحكومة، حين ترك بنيامين نتنياهو الليكود محطماً، ليرممه شارون وليفوز في ما بعد مرتين متتاليتين. رئيسة حزب «كديما» تسيبي ليفني، بحسب مراقبين، تتمنى فوز بيرتس أكثر من يحيموفيتش، فثمة تعاون بين الاثنين أولاً، ولأن يحيموفيتش من شأنها أن تنتزع أصواتاً من حزب «كديما». ولنفس السبب يتمنى نتنياهو فوز يحيموفيتش.