يروي الأعرابي أن ملك آل سعود سمع عن الفايسبوك أثناء متابعته أخبار الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر. ظنّ بدايةً أن الحديث يتعلق بشخص أجنبي، فسأل عنه، ولما قيل له إن الأمر يتعلق بوسيلة تواصل، استوضح طبيعته ففهم سريعاً أن الحكاية تتعلق بوسيلة إعلامية موجودة على الإنترنت، وأن هذه الوسيلة هي شركة، وأن لها صاحبها. ولكي لا يطول الحديث أمر الملك مساعديه : اشتروا هذا الشيء وأريحونا منه؟!كثيرون مثل عبد الله فكّروا في هذا الأمر، حتى أصحاب موقع التواصل الاجتماعي الأبرز في العالم أنفسهم، رفعوا الأسعار، وفكروا في الصفقة نفسها، لكنّ أحداً في محيط الملك لم يشرح له أن للأفكار أجنحة تطير بها من مطرح إلى مطرح، وأنه يصعب على هؤلاء القوّادين الإمساك بهذه الأفكار، لعدم قدرتهم على رؤيتها وعلى فهمها وحتى على الوصول إليها...
قبل الثورات العربية بمختلف أصنافها، كانت الأنظمة العربية في حالة عداء مطلق مع وسائل الإعلام. أنفق حكام النفط مليارات الدولارات لشراء وسائل إعلامية وذمم إعلاميين. بعض هؤلاء لا يزال ينفخ الكذب والأحقاد باسم الاستقلالية والحياد. وفي دول أخرى، مارست الأنظمة العسكرية صنوف القمع المختلفة، بالسجن والقتل والحصار، لتحقيق النتيجة ذاتها. حتى الحكومات التي حسبت أنها أقل توتراً، كانت لا تحتمل أيّ مستوى من النقد، علماً بأنه ظهر علينا في العقد الأخير، صنف جديد من صنوف القمع، فصار التحريم وسيلة جديدة في قمع الإعلام والحريات العامة.
أثناء الثورات العربية واجهت الصحافة، القديمة منها والجديدة، المزيد من التحديات. في تونس، كان زين العابدين قد نجح في إيهام الخارج بأن بلاده مستقرّة، وأن النموّ فيها يسبق الهواء، لكنه فعل ذلك من خلال شراء ذمم وسائل إعلام عربية في مختلف الدول، والوصول الى صحافيين أوروبيين من دول عدة، فيما كان عسسه يعتقل ويقتل ويمنع أي رأي آخر داخل جدران السجن.
في مصر، طوّر رجال حسني مبارك، بعد رجال أنور السادات، وسائل القمع التي أطلّت برأسها في عهد الراحل جمال عبد الناصر، لكن العقدين الأخيرين شهدا انهياراً لا سابق له في الصحافة القومية المصرية، وصل حد تولّي أمّيين وانتهازيين وأبواق تافهة مسؤولية الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب. وصار هؤلاء بدون صلات إنسانية مع أهلهم. فتحدثوا عن شبان ميدان التحرير كأنهم قاذورات. وعندما نجحت الثورة في تونس ومصر، انقلب المشهد، وأطلّ الانتهازيون يعطون الشباب دروساً في الثورة، علماً بأن هذه المؤسسات تشهد غلياناً من الصعب تقدير نهايته، لكن الأكيد أن إرث الصحافة القومية في مصر مهدّد بالاندثار، وأن الصحافة المستقلة، أو غير الحكومية، تتقدم، وفيها هي الأخرى مشكلات تتصل بالتمويل وبالانتماء السياسي في بلاد تحتاج الى سنوات طويلة من الجهد حتى تستقيم على مشهد سياسي وإعلامي مختلف.
في ليبيا واليمن، ثم لاحقاً في سوريا، كانت عين الأمن تركّز على الفضائيات. عوقبت «الجزيرة» في مركز نفوذ الحكومات في طرابلس وصنعاء. وهي عرضة لانتقادات عنيفة في دمشق، علماً بأن «الجزيرة» نفسها، انطوت على نفسها في مواجهة انتفاضة البحرين، وتصرفت على أنه أمر من شؤون أهل البيت، ما جعلها عرضة لانتقادات تقوم على مبدأ رفض الكيل بمكيالين، لكن «العربية» بدت في مصر وتونس كمن أصيب بالخيبة لأن الخصوم يتقدمون، وفي ليبيا كما في اليمن تحاول اللجوء الى الموضوعية لكي تهرب من استحقاق إدانة الأنظمة. أما في حالة سوريا، فبدت مثل ألعاب اليوتيوب، تزوّر وتفبرك، علماً بأن أخبار الاحتجاجات نفسها التي قامت في سوريا، كافية لتمثّل مادة إخبارية جيدة.
لكن ثمة خطوة لافتة في البحرين، قرار ملكي أو صادر عن القيادة العسكرية لقوات الاحتلال التي غزت البلاد باسم الدفاع عن الجزيرة العربية، قضى بإقفال جريدة «الوسط» لأنها تمثل الآن الصوت الأكثر فاعليةً لقوى المعارضة في البلاد. لا حاجة هنا إلى أيّ نقاش مع صاحب القرار. ويُترك للزملاء في «الوسط» اختيار الطريق الأفضل للمواجهة، لكن المهم في هذه الحالة أنه ليس في بلادنا العربية من يرفض الاستجابة لمطالب شعبه، ويرفض الإصلاح والشراكة في إدارة البلاد، بل هناك من يريد أن يضيف إلى قمعه المباشر للناس، حرمانهم حتى حق الصراخ احتجاجاً، سواء في الشارع أو في وسيلة إعلامية.
ثمة حاجة إلى ما هو أكثر فاعلية في هدم عروش الطغاة أينما حلّوا!.
13 تعليق
التعليقات
-
وصل الاذلال لربطة الخبز؟أستاذ ابراهيم المحترم .. قصة الكيل بمكيالين لا نستطيع أن نستثني منها أحد .. فالسوريون التوّاقون للحرية الذين بات اسمهم في الإعلام الرسمي السوري ( المندسّون ) يشعرون بخيبة الأمل من جميع وسائل الإعلام التي كانت موضع متابعة .. وخاصة محطتي الجزيرة والجديد ذلك أن محطة الجديد غطت البارحة تجمع مؤيد للنظام في إحدى المدن الأمريكية في الوقت الذي تجمع فيه مناصرو حركة الاحتجاجات ( حتى لا نقول الثورة فيصاب البعض بالاكزيما ) في أغلب العواصم العالمية، فموقع اليوتوب مليء مقاطع الاحتجاج على النظام القمعي في سوريا ولكن لم نر أية تغطية لتلك الاحتجاجات في وسائل الاعلام أما آخر نهفات النظام فهي توزيع مناشير ( منحبك ) في ربطات الخبز اليومي للسوريين وإليك الرابط : http://www.facebook.com/photo.php?fbid=176229662427616&set=pu.165780076805908&theater مع التحية
-
أشكرك جزيلا يا أستاذالأمر لا يقتصر على المنع عن الصراخ يا سيد، ففي هذا البلد التعيس الكئيب عليك ألا تنسى الظهور بالشكل الذي لا يخدش مزاج فرعون وذوقه وأنت تموت سحقا وظلما أشنع الموتات وأصعبها.. فالبحرين بلد الحريات والديمقراطية.. بلد الاصلاح يقوده جلالة الملك المفدى، صاحب الجلالة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا حفظه الله ولا رعاه!! وهكذا يجب أن تبدو.. فليكن أمثالك من الشرفاء صوتا لهؤلاء المظلومين المقهورين الذين ما رأيت ألطف منهم ولا أرقى ولا أصبر! ولتهنأ الجزيرة بوصمة العار الكبرى التي ألصقتها بنفسها طواعية..
-
الأستاذ العزيز إبراهيم قبلالأستاذ العزيز إبراهيم قبل أشهر اختتمت مقالتك وأنت تخاطب الوزير ميشيل المر، بعبارة اقتبستها من خطاب فخر الهاشميات زينب بنت علي "ع". وحين أنهيت قراءة مقالتك اليوم، استحضرت تلك العبارة، لأخاطب بها حمد آل خليفة: كيد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرخص عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.
-
أمة بعضها من بعضشكراً لك أخي على الموضوع المتوازن الذي طرح قضية أمتنا العربية التي تهاوت عروش حكوماتها الإستبدادية واحداً تلو الآخر والت رغم عمليات غلق الأفواه التي مارستها ليلاً نهاراً إلا أنه استطاعت الشعوب العربية في مصر وتونس أن تسحق تلك الأنظمة تحت أقدامها وتطردهم صاغرين مقهورين أما نحن في البحرين فكان التلفزيون الحكومي نهاراً وجهاراً يمارس الحكم الطائفي على الثوار وحاول القضاء على كل من يضاده فكان آخره غلق صحيفة الوسط تلك الجريدة الوحيدة التي عرضت واقعنا المأساوي.... هذه الحكومات كلها أمة بعضها من بعض
-
إرادة الشعب X إرادة البيت الأبيضللأسف, فإن سياسة كم الأفواه, و التعتيم الإعلامي لا تحصل إلا بموافقة من البيت الأبيض. وإن كان انزعاجي من النظام بسوريا لهذا التعتيم و حصرية نقل الخبر لإعلامه"دون المستوى", ما فتح المجال لتوظيف وسائل الإعلام لمراسلي "شهود العيان",حيث لا يلزم المحطة صوابية ما ينقله هذا الشاهد, بعكس المراسل الرسمي. وأما بالبحرين فالمصيبة عظيمة , بالإصرار على "خنق" كل صوت لن نقول معارض, بل يحاول نقل ما يحدث. تم ذلك بأمر من واشنطن, فقط حتى لا تحرج الإدارة الأمريكية من جمهورها: https://www.youtube.com/watch?v=faXBAHMB5ZM&feature=related
-
حقا فقط هذا عن الجزيرة؟مع ان المقدمة جعلتني اضحك، والبقية "فشت خلقي" لكن فقط جملة واحدة عن تعاطي الجزيرة مع اخبار البحرين؟ هذا ما تستحقه الجزيرة فقط ؟ شخصيا كنت من اشد المدافعين عن الجزيرة حين يهاجمها اي شخص لكن الان الوضع اختلف . لم تعد محطة تعاطت بخفة مع اخبار البحرين، وانما محطة اصيبت بالعمى حين وقعت ثورة البحرين. لا هم لها حاليا سوى احداث سوريا ,فيديو او 2 من يوتيوب تتمت اعادتهم طوال اليوم ولا خبر ولا حتى في الشريط الاخباري عن البحرين. القرضاي بات يتحدث عن الحريات ! الرجل الذي سمح له من منبر الجزيرة التحريض الطائفي..بات "غيفارا الجزيرة " ! . ما تقوم به الجزيرة ليس خيبة امل فحسب، بل امر مقزز. كان لنا امل بان هناك محطة تعرض نبض الشارع بما ان العربية لا يهمها سوى اهل الحكم ، لكن "طلعو الاثنين متل بعضهم ". كان الاجدى منح الجزيرة ما تستحقه من التقريع لان الصامت عن القتل ..شريك في الجريمة.
-
امر غريب عجيب امر غريب عجيب كلامك استاذ ابراهيم وهل يعني كلامك بان كل الوسائل الاعلاميه الخاصه مهنيه كلا ما دام يوجد وراء كل وسيله من يمولها فهي تعكس اتجاهه وخطه حتى انتم ورائكم من يمولكم والمعروف عن الوسائل الخاصه بانها تسلك الخط السياسي لمن يدفع لها اكثر هذا يعني انه لا توجد حياديه في ايه وسيله اعلاميه فلماذ لا ينطبق هذا الكلام على الوسائل الحكوميه اعتقد ان هذا من حقها حتى انتم لا تتحملون ان ينتقدكم احداوالدليل بانني كنت قد علقت على مقالتك الاخبار وسوريه باسمي الصريح ومهنتي ومنطقتي وبعد نزول التعليق بساعه حذفتموه وبدليل كثير من الردود التي تاتيكم وتعاتبكم لعدم تنزيل تعليقاتها يبقى سؤال اخير ماذا يقال عن ايه وسيله تقوم بتغيير مسارها بدون سابق انذار 180 درجه طبعا انتم منها برايك ماذا يقال عن كثير من الوسائل الاعلامية كالمستقبل مثلا والعربيه يا استاذ ابراهيم هناك وسائل مهنتها بث السموم والتفرقة الا توجد العشرات منها مدفوع لها امريكيا كيف ساثق بها وبمعلوماتها ارجو نشر الرد
-
سيبقى صوتنا مرتفع و مؤذي للسلطة و الاحتلالمهما فعلتم فصوتنا سيبقى مرتفع و يرعبكم يا حكام البحرين
-
الكتابة عن البحرينأسهل من الكتابة عن سوريا وان كان عبدالله يريد شراء الفيس بوك فسوريا اكتشفته منذ بضعه أسابيع - حين سمح النظام به
-
مقال في الصميم شكرأ يا استاذمقال في الصميم شكرأ يا استاذ
-
اروع خبر قريتو اليوم انواروع خبر قريتو اليوم انو فضايح ويكيليكس اللبنانية مستمرة و ستنشروها من بكرا .. الله يعطيكم العافية يا استاذ و لكن اكرر رجائي ان تنشرو الوثائق بحرفيتها و ارقامها و كما كتبها السفير الامريكي بيده و قللو من التحليلات و شكرا على تعبكم معنا
-
شو سر الصنعة ؟؟لك يا برهوم في سؤال براسي ما عم لاقيلو جواب خوتني .. رغم ان الاخبار اللبنانية ما صرلها كم سنة صادرة (نسبة الى عشرات السنين للصحف الاخرى) , و رغم انها لا تتلقى اي تمويل من اي جهة كانت او دولة (كما تقبض الصحف الاخرى الملايين من مشايخ النفط) .. و لكنها الاكثر قراءة و متابعة من دون اي منافس او منازع و نجحتم في صنع معجزة عجز عن صنعها الانس و الجن سويا و هي جمع كل اصناف القراء المتناقضين في مكان واحد من اليساري مع الاسلامي , الى السلفي و الاخواني مع الحزب اللهي و الماركسي و اللالحادي , و السني مع الشيعي , و الوهابي مع النصراني , و الفتحاوي مع الحمساوي و كل ما هب و دب من صنوف القراء الا ما يلاقي شي مطرح عندكم هون !! لك حتى المؤيدين و المعارضين في سوريا ما اجتمعو و تخانقو الا عندكم هون !! مش غريبة هاي ؟؟