يبدو أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان قرر تنفيذ تهديده بالعمل على «شلّ» حركة المعارضة، من خلال توجيه السلطات الأمنية لاعتقال زعيم حزب المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، أكثر الأشخاص قدرةً على مقارعة نظام الرئيس السوداني عمر البشير ورجالاته. والاعتقال جاء بعد يوم واحد من اعتبار مهندس انقلاب جبهة الإنقاذ في عام 1989 أن قيام انتفاضة شعبية في السودان على غرار ما حصل في تونس أمر «مرجّح». إلا أن السلطات السودانية حاولت وضعه في سياق أمني بعيد عن التجاذبات السياسية بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمعارضة، بعدما سرّبت مصادر أمنية للمركز السوداني للخدمات الصحافية أن اعتقال الترابي، إلى جانب خمسة آخرين من قيادات الحزب، جاء على خلفية اكتشاف الأجهزة المختصة وثائق ومعلومات تؤكد علاقة حزب المؤتمر الشعبي بحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور.
وفيما نفى المتحدث باسم الحركة، أحمد حسين آدم، أي علاقة بالترابي أو بحزبه، أكد نجل زعيم المؤتمر الشعبي عصام الترابي لـ«الأخبار»، أمس، أن «شمّاعة دعم والده لحركة العدل والمساواة أصبحت أسطوانة مرفوضة لكثرة ما استخدمت»، بما في ذلك العام الماضي عندما اعتُقل زعيم المؤتمر الشعبي وأُغلقت صحيفة «رأي الشعب» المقرّبة منه للحجة نفسها.
ووضع عصام الترابي اعتقال والده في سياق أزمة يعيشها النظام السوداني الحالي، مشيراً إلى أن النظام «تعوّد، كلما ضاقت به الظروف السياسية، اللجوء إلى اعتقال الترابي». وعزا الاعتقال إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها إدراك السلطات السودانية أن زعيم حزب المؤتمر الشعبي «أشجع سياسي في التعبير عن آرائه في حال وجود مواجهة مع النظام»، إضافة إلى خوف السلطات من دور الترابي السياسي وما يتمتع به من قبول عربي ودولي.
وعلى النقيض من الاطمئنان الذي أبداه مساعد الرئيس السوداني، نافع علي نافع، أول من أمس، تجاه عدم تكرار التجربة التونسية في السودان، لأن النظام أجرى انتخابات وفاز فيها في نيسان من العام الماضي، أكد عصام الترابي أن الظروف المتوافرة حالياً في السودان تجعل من أسباب قيام الانتفاضة مهيّأة أكثر من تونس. وأوضح أن «الظروف المعيشية أحلك وأصعب»، إلى جانب «الجرائم التي لا يتوقف النظام السوداني عن ارتكابها». ولفت إلى أنه «لا يخفى على أحد ما يحصل في دارفور من قتل واغتصاب، إلى جانب ما يحصل في الشمال من تعدّ على أراضي المواطنين وطردهم منها عنوة»، فضلاً عن قيام السلطة «باقتسام أرض السودان مع شريكتها الحركة الشعبية للسودان»، في إشارة إلى انفصال الجنوب.
كذلك رأى عصام الترابي أن الإرادة التي تحكم السودان في الوقت الراهن «مزوّرة، لأنها أتت من خلال انتخابات زوّرت إرادة الجماهير»، فيما رفض اعتبار أن الشعب السوداني امتص صدمة رفع الأسعار الذي أعلنته الحكومة قبل أيام من انطلاق استفتاء تحديد مصير الجنوب، مؤكداً أن الأمور لا تأتي فوراً، بل تحتاج إلى وقت للنضوج.
وبعدما شدد على ضرورة أن تكون «خطة التحرك شاملة وبالتنسيق مع مختلف أطياف المجتمع، لأن التحرك الفردي لن يأتي بنتيجة»، تحدث نجل الترابي عن تحركات للأحزاب المعارضة السودانية، بينها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي و«حزب الاتحاد الديموقراطي الأصل»، مشيراً في السياق إلى وجود حالة تذمر واسعة داخل أنصار حزب الاتحاد.
وكشف نجل الترابي عن محاولات لشق صفوف قوى الإجماع الوطني التي تسعى إلى الثورة على النظام الحالي، من خلال محاولة النظام السوداني استخدام «الجزرة» مع حزب الأمة وحزب الاتحاد الديموقراطي، في محاولة للتوصل إلى تسوية معهما، في مقابل استخدام «العصا» مع حزب المؤتمر الشعبي لتيقّنه من أن المؤتمر الشعبي الذي خيّر أمس المؤتمر الوطني بين تكوين «حكومة انتقالية تنظّم انتخابات حرة نزيهة وتكتب دستور السودان الدائم»، أو النزول إلى الشارع لتغيير النظام عبر عمل مدني، «لا يساوم على قيمه».