الخرطوم | حالة أشبه بـ«الطعن في ظل الفيل» هي تلك التي يتعامل بها طرفا التفاوض؛ الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، حول الحرب الدائرة بينهما في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث يركز الطرفان على قضايا وصفت بالجانبية، متجاهلين الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفجر الوضع في تموز من العام المنصرم، وهو تاريخ تجدد الحرب في جنوب كردفان. ومن أبرز المنتقدين للطريقة التي تعاملت بها الحركة الشعبية مع ملف التفاوض الجنرال دانيال كودي، أحد أبرز قادة التمرد السابقين في جنوب كردفان، والذي افترق عن رفاقه في الحركة الشعبية عقب تجدد القتال الأخير. وقال الجنرال كودي للصحافيين في فندق شيراتون أديس أبابا «يؤسفني أن أقول إن الورقة التي قدمها إخوتنا في الحركة الشعبية _ قطاع الشمال لم يتحدثوا فيها عن منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلا في سطرين فقط من جملة خمس صفحات قدموها للوساطة الأفريقية».
ويتسق حديث الجنرال كودي مع ما جاء في برنامج التفاوض الذي تبنته الحركة الشعبية _ قطاع الشمال، حيث أدرجت عدداً من القضايا، بينها علاقة الدين بالدولة وشكل الحكم بالبلاد، إضافة إلى قضايا أخرى تخصّ قوميات أخرى في مناطق مختلفة من السودان، مثل متضرري سد مروي وجملة ما يسمى قضايا المهمشين في البلاد.
أما وفد الحكومة المفاوض، فبدا هو الآخر أكثر اهتماماً بقضايا قد تشتت المجهود الذي يجب أن يخصص لمخاطبة القضية الأساسية. أبرز المنتقدين كان والي جنوب كردفان أحمد هارون، وهو الشخصية الأهم في الإقليم باعتبار أنه يرأس حكومة الولاية التي تدخل الحرب إنابة عن الدولة مع متمردي الحركة الشعبية _ قطاع الشمال. وانتقد هارون ضمناً مواقف حكومته التي تتحدث عن عدم التفاوض مع شخصيات بعينها من الحركة الشعبية، من بينهم ياسر عرمان الأمين العام للحركة. وقال هارون لوسائل إعلام محلية أول من أمس «إن المهم هو المضمون ومحتوى العملية التفاوضية وفقاً للقرار الأممي 2046 ومذكرة الوساطة الأفريقية وليس الأشخاص». وأضاف «أنا شخصياً لا يهمني من يترافع عن الطرف الآخر».
أما الدور الذي تقوم به الوساطة الأفريقية، فلم يكن بعيداً هو الآخر عن اضطراب موقفي الحكومة والحركة الشعبية وبعدهما عن التناول الموضوعي برأي كثيرين. ويرى الصحافي السوداني، خالد هاشم، أن مواقف طرفي التفاوض كانت نتاجاً طبيعياً لتبني الاتحاد الأفريقي خطاً تفاوضياً جديداً أخلّ بأجندة التفاوض ومضمون الأوراق التي قدمها الطرفان. وأوضح هاشم لـ«الأخبار»، «أن الوساطة الأفريقية تخطت بروتوكولي الولايتين في اتفاقية السلام الشامل»، لافتاً إلى أن «تخطي هذه المرجعية أعطى طرفي النزاع الفرصة ليضع كل على هواه ما يشتهي ويتمنى من أجندة».
ويرى خالد هاشم أن «الحكومة السودانية هي الأخرى تبدو في حيرة من أمرها بعدما أضاعت من بين يديها اتفاق الترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام الشامل، وهو اتفاق كفل لها المطالبة بسحب قوات الجيش الشعبي من منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان قبل عامين من نهاية الفترة الانتقالية»، بعدما سكتت عن سحب الجيش الشعبي للفرقتين التاسعة والعاشرة من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما أشار هاشم إلى أن ضامني الاتفاق سكتوا أيضاً عن تجاوزات الحركة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تقول بأن اندلاع الحرب في الولايتين سبب عدم تطبيعها لعلاقاتها مع السودان ولم تقل إن سبب اندلاع الحرب هو انتهاك الجيش الشعبي لاتفاق الترتيبات الأمنية.