نيويورك | يدرس التحالف الغربي ـــ العربي بعناية خطوة إحالة كبار المسؤولين السوريين على المحكمة الجنائية الدولية، بعدما أوصدت الأبواب أمام الفصل السابع في مجلس الأمن الدولي للاستخدام ضد سوريا نتيجة الدعم الروسي ـــ الصيني الثابت. وهنا يكثر الحديث عن إحالة كبار المسؤولين السوريين، ولا سيما العسكريين، على المحكمة الجنائية الدولية. يفترض أن المحكمة، ومقرها في لاهاي، تنظر في ثلاثة أنواع من الجرائم، هي: الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لكن قضاءها لا يُفرض على دول غير منتمية إلى معاهدة روما، وسوريا من الدول الموقعة على المعاهدة لكنها لم تبرمها.
ولكي تخضع لهذا القضاء لا بد من حدوث توافق دولي وإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من الميثاق. كذلك، لا تستطيع المحكمة النظر في أي قضية إذا لم يعجز القضاء المحلي عن بتّها، وهو شرط يتعلق بعجز التحقيق الوطني مثلاً عن جلب المتهمين أو غياب الرغبة في إجراء التحقيق.
الإحالة يجب أن تأتي إما بطلب من سوريا نفسها، وهذا غير وارد، أو من مجلس الأمن الدولي، وهذا غير ممكن في ضوء الانقسام بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حول الأزمة السورية. وهذا لا يقتصر على روسيا والصين المعارضتين، بل يشمل أيضاً دولاً مثل الهند وجنوب أفريقيا، وربما أيضاً باكستان.
ويمكن المدعي العام للمحكمة الجنائية أن يبادر بفتح تحقيق إن رأى أنها تستحق ذلك. لكن التحقيق سيبقى قليل الجدوى إذا لم يكن مشفوعاً بمساندة دولية كبرى.
بالنظر إلى معرقلات قانونية وسياسية متعددة، كثيرون رأوا في الدعوات باللجوء إلى محكمة الجنائية ضرباً من التمني ورفع الحرج إزاء المعارضة السورية. بل إنه بمثابة إعلان للعجز عن تقديم مساندة فعلية للمعارضة، وخصوصاً أن المطالبين يعلمون سلفاً أنهم من الناحية القانونية غير قادرين على جلب مسؤولين سوريين إلى المحاكمة. تطالب المعارضة بتدخل عسكري خارجي، فإذا بالعروض تقتصر على تسليح محدود، ودعم مالي غالباً ما يجف قبل الوصول إلى المقاتلين والقواعد.
أما المطالبون بالإحالة على المحكمة الجنائية من على الشاشات فيرون أن خطوة كهذه، إذا حصلت، هي من باب الضغط وتضييق العزلة السياسية على الحكم في سوريا. هذه العزلة تتضاعف يوماً بعد يوم بالفعل، بسبب مقاطعة عربية وأوروبية وأميركية وآسيوية، لم تتعرض لها حتى دول مثل كوبا وفيتنام وكوريا الشمالية وفنزويلا وإيران من قبل. وهم يراهنون على أنه بمجرد جعل الرئيس السوري متهماً فإنهم يعجلون بسقوطه أولاً في نظر ضباطه وشعبه، وثانياً بنظر بقية الدول، ومن ضمنها تلك التي تدعمه سياسياً وعسكرياً.
لكن سيناريو الإحالة غير القابل للتحقيق له تأثيره المعاكس. فهو يضعف فرص الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية. وهذا جوهر التحرك الدولي ضمن خطة كوفي أنان السداسية. والحل السياسي سيبقى الرهان الأول والأخير إذا كان العالم يريد الابتعاد عن السيناريو الثاني المستحيل. وهو خيار ترك الأوضاع تتردى بما يوصل إلى تفجّر عوارض الأزمة السورية إقليمياً، ودخول المنطقة ككل في نفق حلزوني مظلم من الحروب الطائفية غير المحسوبة. هذا في المقام الأول.
أما في المقام الثاني، فإن تدهور الوضع الطائفي والقومي الإقليميين، سواء بتقدير أو بسوء تقدير، سيفضي إلى تفجر صراعات دولية أكبر بكثير من قدرة العالم على هضمها.
المهددون بالمحكمة الجنائية يراهنون على زعزعة الحكم السوري من الداخل وعلى الحرب النفسية التي يعتقدون من خلالها أن الرئيس بشار الأسد وكبار مساعديه سيسعون إلى الحصول على تسوية يتخلون بموجبها عن السلطة لقاء إسقاط الملاحقة. أي تسوية على الطريقة الخليجية ـــ اليمنية.