فجأة لمعت الفكرة في عقله. عثر على «أل» طريقة للخروج من «الخزان» الفلسطيني، من كل ما يفرضه عليك «أن تكون فلسطينياً» في مسقط رأسه لبنان. سيصبح نجماً. لا بل سيكون «صقر الشمال». هذا ما قد يكون فكر فيه محمود وهبي (23عاماً) وهو على أبواب «آرابز غوت تالنت مع نجوى كرم» كما يقول مضيفاً اسم النجمة الشعبية التي يحبها الى اسم برنامج المواهب. أدرك الشاب ما يعرفه الجميع: «الشهرة» هي المعادل الفني للزعامة في السياسة.
حيث يصبح الانسان، على رأي الساخر الراحل فيلمون وهبي فجأة «من بيت الفرفور»، اي من المدعومين. ستتكفل الشهرة برفعه من مصاف البشر العاديين الذين تجري عليهم حسابات البشر العاديين امثالهم، الى مصاف «السوبر ستار» الذين لا يهمّ من أين أتوا وأين ولدوا وما هي جنسيتهم وحتى ماذا يفعلون!.
وعلى غرار نجوم المسلسلات المصرية، علق ابو جندل، وهذا لقبه المخيمجي، ملصقاً عملاقاً يصوره شخصياً، تماماً خلف مكتبه في محله للملابس الرياضية على حدود المخيم القديم المدمّر. كان جالساً امام كومبيوتره في المحل الممتلئ بأحذية «نايكي» و«اديداس» المقلدة في الصين (مع أن الاصلية ايضا مصنوعة هناك)، وقد فتح شاشة كومبيوتره على «يوتيوب» كما اظن، يستمع، وبجانبه صديقان، الى أغاني من تلك التي تسمعها في «فانات» طرابلس بيروت، او طرابلس حلبا في الشمال. اغان بمعظمها لمطربين محليين يسترزقون من الأعراس القروية في «العكار»، وقرى سوريا القريبة من حدودنا الشمالية او البقاع التي كان يكفي قطع النهر الشمالي للوصول إليها.
يجلس مطرب المخيم، وقد عقص شعره كذنب الحصان. هل كان هناك وشم على ذراعه أم اني اضفت هذا التفصيل من مخيلتي بعد خروجي؟. لا نتأخر عن اكتشاف ان الشابين الى جانبه هما: عازف القانون وعازف الأورغ الكتريك معه، وفي الوقت ذاته هما ايضاً «الرديدة»، اما الشاب الذي أخذنا اليه فهو الطبّال. كانوا يتبادلون نظرات متواطئة تكتم ضحكة، لا شك انهم تركوا لها العنان ما ان خرجنا.
الأغنية التي غناها أبو جندل لقائد الجيش

نسأله كيف خطر له ان يصبح مطرباً؟ فيقول انه فعل ذلك بعدما نصحه الاصدقاء والأهل حين سمعوا صوته «كنت غني بمناسبات وطنية لبنانية وفلسطينية.. بالجامعات غنينا مع فرقة الكرمل. كان عندي هواية اعزف على الأورغ. صرت أشتغل بأعياد الميلاد اول شي. بعد هيك، بعد الهجرة اللي صارت بالمخيم (اثر حرب البارد) صرت غني بأعراس. اول عرس كان (في قرية) بالحصنية بعكار، كانو اصحابي، ما كنت مقدم بعد على «آرابز غات تالنت مع نجوى كرم»». طيب، بعد ذلك؟ يروي وهو يتشاغل بدوس أزرار الكومبيوتر «رحنا عالبرنامج بالمرحلة الأولى ببيت الفن بطرابلس. مشي الحال. بس المرحلة الثانية بكازينو لبنان ما مشي الحال. حتى أخوي عبد الله كان معي وصوتو أحلى من صوتي وما نجح. هياه بالدانمرك عم يشتغل وكتير مشهور». لكن لم رفضوه؟ يقول وهو يشيح بنظراته محرجاً «لما رفضوني كانت طريقة الملاحظات مش بمحلها، كان كلام علي جابر جارح. قللي: انا انزعجت من صوتك كتير! وما قللي ليش؟ قال صوت الموسيقى عالي: طيب انا شو دخلني؟».
وبعدها؟ يجيب مذكراً بأدبيات الخاسرين في البرنامج المذكور ومسابقات ملكات الجمال«بعد هالقصة تشجعت اكثر لكمّل بهالمجال. بصراحة اكتشفت انو هالبرنامج معمول خصوصي لناس مميزين». هل هذا نقد ذاتي؟ لا يتأخر عن التصويب «يعني الاولوية للمدعومين وأصحاب الواسطة الكبيرة. انا مثلا استنيت دوري من 7 الصبح لتاني يوم 8 صباحا. بس في ناس كانت توصل بالسيارة وتفوت دغري ع المسرح. ساعتها قلت لحالي: ألعب وحدك تجي راضي».
هكذا، لعب «صقر الشمال» وحده «بلشت أطلع حفلات «وان مان شو» على الاورغ وبسرعة، حفلات شعبية، نهيّص الناس ونخليها تنبسط. الناس اكثر شي بينبسطوا بالأغاني المعروفة متل هاي (يرفع صوت الكومبيوتر بغناء يصم الآذان) هذه اغنية «يا الغالي»». ولمن هي؟ يجيب «والله ما بعرف».
أسأله ولكن كيف يريد أن يكون مشهوراً هنا في بيئة توترت ضد الفلسطينيين منذ حرب البارد؟ فيرد «بصراحة؟ بهالمجال ما في عنصرية. بتعرفي ليش؟ لأن هون في شعبية للفنان، بيصيروا الناس معجبين، وبيصير محبوب». ويضيف «الحلو فينا ما منغني سياسة وما منسيء لأي جهة». إذاً هو ليس كمطرب تيار المستقبل العكاري وليد فرج الذي كان يغني للحريري ويشتم خصومه؟ يجيب «صحيح.. بدي أكسب محبة الناس، ما بدي حدا يكرهني». وللتدليل على ذلك يقول «أغلبية الاعراس بالضيع حولنا، وكمان اغلبية العرسان عسكر بالجيش. ما حدا الو معي. إلي الشرف». لكن الجيش دمر مخيمه وهجره؟ يقول «هاي مشاكل بالسياسة ما إلنا فيها. حتى اني ألفت غنية لقائد الجيش». قائد الجيش اللبناني؟ يجيب «ليش لأ؟ عادي». كيف يكون ذلك عادياً وهناك ما هناك بين الجيش والمخيم بعد الحرب على «فتح الاسلام» التي دمر المخيم بحجتها؟. يقول «وأكتر كمان.. هيديك المرة غنينا بعرس بالمخيم قريب من حاجز الجيش. مش قصد عم نسمّع الجيش.. بس غنينا لقائد الجيش. وعلى فكرة اغلبية العسكر بيعرفوني وبيطلبوني».
طيب، وهل فكر بتأليف أغنية خاصة؟ يقول «هوي بالحقيقة زوجتي كتبتلي كلام بس في صعوبة باللحن.. وعمي كمان بيساعدنا». ويتابع «منتابع كل جديد. يعني منجدد بأغاني قديمة متل اغاني سعدون الجابر (العراقي). منطوّرها ومنغنيها على الآلات الجديدة. غنينالو مثلا خيو بنت الديرة». وكم هو سعره في الليلة؟ يقول «هون بقى بيصير جدال كثير. بيقلك العريس: وضعي مش مرتاح وبيكون جايب فرش بعشرة آلاف دولار.. لما بيوصل للفرقة بيقلك ما معي. بقللو بمجرد ما فتحت التلفون يعني بدك اياني. منطلب 350 دولار.. ومننزل اوقات لـ200 .. واوقات اذا صحابنا منقلن اعطونا بس ايجار الفرقة».
وهل يعمل في المخيم اكثر ام في المحيط؟ يقول «موسم الأفراح بلش.. تنشوف السنة. سنة الماضية كنت اعمل 3 حفلات بالأسبوع. بيختلف الموضوع بين المخيم وبرة. عنا بالعوايد منغني بليلة العريس، يعني قبل بيوم. ما في كلفة قاعة. منعملها ع السطح او بين الباراكسات». وهل السعر ذاته للمخيم وخارجه؟ يجيب «طبعاً لأ. لأنو هون بالمخيم ما في تنقلات ومصروف بنزين». والمحل؟ يقول «للأمان، لأنو شغل الأعراس منّو دويم».
ننظر الى البوستر المعلق خلفه فيبادر للشرح «هيدا السي دي لإلي. هياه بالسوق. عملي اياه شب من المنية. هوي سماه «اول نظرة». الشب عندو ديسكوتيك وبيطلع بحفلات. عمل السي دي وبعتو للطبع». واين يطبعون؟ يقول «بشركة «الزيّاد» ع مفرق التل (بطرابلس)». وما هي الاغنية التي شهرته؟ يقول «سامحتك.. هييه اللي ضربت». هل هي اغنية اصالة؟ يقول لا. ثم يضيف «انا ما بسمع اغاني الشغل لما بكون وحدي. بحب اسمع رومنسي متل عمرو دياب وتامر عاشور وسامو زين». وماذا عن فيروز؟ يقول كمن يتذكر بديهة «اكيد فيروز ع الصبح». واغاني زياد؟ يقول «بالحقيقة اغانيه صعبة شوية تنحفظ، زي اللي بيغنوا بالأوبرا وما الأوبرا اللي بيشتغلو معه»!
على ما يبدو بقي ذهولي من غنائه لقائد الجيش ماثلاً في عقله. يقول كمن تذكر شيئاً «غنيت للمخيم كمان. لما صارت معركة المخيم، نزلنا سي دي انا واخي اللي بالدانمارك للمخيم». واين يسكن اليوم؟ هل دّمر بيته في المخيم ام كان من الناجين؟ يجيب «بيتنا تدمّر طبعا..». وهل عاد اليه بعد 5 سنوات؟ يقول «لأ. بيتنا ما فينا نرممو لأنو منطقة عسكرية».