بعد ساعات قليلة على إعلان المجلس العسكري المصري تعليق العمل بالدستور وعزل الرئيس محمد مرسي، اجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع فريقه الأمني في الـ Situation Room في البيت الأبيض. أجروا مكالمات هاتفية مع مصر وإسرائيل، ثم فضّوا الاجتماع. وفي صباح اليوم التالي، توجه أوباما مع بعض الأصدقاء الى ملعب الغولف ولعبوا لساعات، بينما كان وزير خارجيته يمضي عطلته الصيفية على متن زورق في عرض البحر. «أخبار مصر كانت تصلهم أول بأول». اطمأن مساعدا الرئيس والوزير، لكن التوتر الذي ساد الشوارع المصرية والحراك السياسي الكبير لم يثن أياً منهما عن ممارسة هوايته والاستمتاع بها. «أصلاً، أولوية الاهتمام الأميركي بمصر هي ضمان أمن إسرائيل فقط، وهذا متفق عليه مع الجيش والرئيس»، قال البعض، فيما صرّح بعض النواب الديموقراطيين بأن «هناك شعوراً بالارتياح لخروج مرسي من الساحة». وفي هذا الإطار تكررت «الاعترافات» من «مصادر في البيت الأبيض» بأن «مرسي كان فاشلاً في دوره بكل الأحوال».
هذا ما روّج له الموالون لأوباما خلال الأيام القليلة الماضية، في محاولة منهم للقول إن الأحداث المصرية لم تؤثر كثيراً على الرئيس أوباما وإدارته، وبأن تصرّف الرئيس ووزير خارجيته يدلّان على «تراجع الاهتمام الأميركي بمصر بشكل عام وتحويل اهتمامها الى دول محورية أخرى». وفي أفضل الأحوال، اعترف هؤلاء بأن «الإدارة كانت حائرة حول خياراتها في مصر»، حتى خرج أوباما ليقول السبت إن «الولايات المتحدة لا تنحاز ولا تدعم أي حزب أو جماعة سياسية معينة في مصر».
لكن «أوباما كان غاضباً»، أكّد بعض مساعديه. «غضِب لأن مرسي لم يستطع احتواء المعارضة والتفاهم معها»، «غضِب لأن رئيس مصر الجديد لم يستفد من كل الدعم المادي والمعنوي الذي قدمته الإدارة الأميركية له منذ تولّيه الحكم»، قال هؤلاء. ولهذا، تضمّن تصريح أوباما الأول (ليل الأربعاء) حول أحداث مصر «قلقاً عميقاً» إزاء ما قام به الجيش.
أوباما غاضب بلا شكّ، هذا ما تبنّاه معظم السياسيين والمحللين الأميركيون من الذين أكّدوا أن «مصر لا تزال دولة استراتيجية كبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة ومن أكبر مستوردي السلاح وضفة عبور السفن الحربية الأميركية». لذلك سارع هؤلاء الى الطمأنة بأن «البنتاغون حافظ على علاقة جيدة جداً مع الجيش المصري، وهو كان على تنسيق مستمر معه».
هذه النقطة بالذات، ساهمت في خلق نظرية تقول إن الولايات المتحدة، والبنتاغون تحديداً، نسّقا مع الجيش المصري للانقلاب على مرسي بعدما أحرق هذا الأخير كل البطاقات التي قدمتها له الإدارة الأميركية وفشل في الحكم.
«وزير الدفاع تشاك هاغل والجنرال مارتن ديمبسي حاولا جاهدين إرساء التوازن في اتصالاتهما مع المسؤولين في الجيش المصري، وعبّرا عن قلقهما، بينما كانا يحاولان عدم إعطاء الانطباع بأن الولايات المتحدة تحرّك المشهد من وراء الستار»، قال موقع «ميليتيري» العسكري الأميركي.
«حان وقت العمل مع جنرالات مصر. عسكر القاهرة هو أفضل صديق للولايات المتحدة في فترات الاضطراب»، دعا مساعد وزير الخارجية السابق مارتن إنديك في مقال. وأضاف «يجب التواصل معهم عبر قنوات سرية، لا في العلن لضمان انتقال سلمي وديموقراطي الى الحكم المدني». إنديك الذي يؤكد، بخلاف المروّجين، فكرة «تراجع الاهتمام الأميركي بمصر»، على الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية للقاهرة، اعترف «بأننا أخطأنا بعدم الوقوف في وجه مرسي» عندما ارتكب الأخطاء. وهذا، يشرح إنديك، «ما جعل القوى العلمانية المصرية تظنّ أننا وقفنا الى جانبه». «لقد بدونا كمن نقل دعمه من فرعون الى آخر»، أردف إنديك. ولعلّ أبرز توصيف لتصرّف الإدارة الأميركية حيال مصر، هو قول إنديك: «لقد تكلّمنا عندما كان يجب أن نعمل بصمت لإسقاط مبارك وصمَتنا عندما كان يجب أن ندين مرسي علناً بسبب قراراته المعادية للديموقراطية». لكن إنديك أكّد أن «قرار تعاون الحكومة الأميركية مع حكومة إخوانية منتخبة دستورياً كان قراراً صائباً». موقف أكده الجنرال مارتن ديمسي أمس: مصر تبقى حجر الزاوية لسياستنا في الشرق الأوسط.
لائمو الإدارة الأميركية وأوباما انتقدوا أيضاً مضيّ الرئيس بالخطأ من خلال تصريحاته وأقوال السفيرة آن باترسون منذ بدء التحركات، والتي حذّرت من الحرب الأهلية وأبدت قلقاً شديداً من التغيير، «ما عزّز فكرة دعم واشنطن لمرسي ووقوفها ضد مطالب الشعب والمتظاهرين». البعض الآخر لاموا «الدبلوماسيين الأميركيين الذين لم يستشعروا مسبقاً حجم المشكلة»، ما أدّى الى فشل أميركي في الملف المصري.
«خطأ الإدارة المميت هو أنها تعاملت مع الإخوان المسلمين كخَلَف لمبارك، لا كبديل منه» و«خطأ الإخوان أنهم دخلوا في اللعبة بدل تغييرها»، قال بعض المحللين. لكن ماذا عن علاقة الولايات المتحدة مع جماعة «الإخوان المسلمين» ودعمها الصريح لها تحت شعار دعم «الإسلام المعتدل»؟ اتفق الجميع على أن واشنطن «عملت كل شيء لدعم الإخوان بعد تسلّمهم السلطة وقدمت المساعدات المادية والمعنوية لهم، رغم تصرفاتهم الديكتاتورية في الحكم». لماذا اعتمد أوباما سياسة دعم «الإسلام السياسي» في «الربيع العربي» بدل الوقوف الى جانب القوى العلمانية؟ البعض ردّ الأمر الى التعاون التاريخي الوثيق بين «وكالة الاستخبارات المركزية» مع «الإخوان» منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. آخرون لم يجدوا تفسيراً لتحالف أميركي ـــ إخواني أغضب أبرز الحلفاء الخليجيين والقوى العلمانية المصرية. وعلى هؤلاء ردّ البعض، «مخطئ من يعتقد أن دور الإسلاميين انتهى أو ضعف في الشرق الأوسط بعد إخراج الإخوان من الحكم في مصر. لذا، لا بد للحكومة الأميركية من أن تسعى إلى إنهاء قمع العسكر الخطير والتوصل الى تسوية مع الإسلاميين».
في التاريخ الأميركي، كان هناك عقيدة هنري ترومان التي قامت على «دعم الدول ضد الشيوعية»، وعقيدة ريتشارد نيكسون التي «أقحمت الدول الصغيرة في الصراع البارد مع السوفيات لتريح الولايات المتحدة قليلاً»، وعقيدة جيمي كارتر التي اعتمدت «الدفاع عن دول الخليج في وجه إيران»، وعقيدة رونالد ريغان «الهجومية ضد التوسّع السوفياتي»، ذكّر بعض المحللين وسألوا، «لكن ماذا عن عقيدة أوباما؟ هل تقوم على دعم الإخوان المسلمين لتغيير الشرق الأوسط»؟ جاء الجواب: «أوباما لا يملك عقيدة. لاحظوا تقلّب مواقفه حيال مصر منذ ثورة 25 يناير 2011».