ظلّ حزب «الاصلاح»، حتى وقت قريب، يمثل الرقم الأصعب في المعادلة السياسية في اليمن. هذا الواقع كان ناتجاً من أسباب عدة، أهمها أنه الحزب الوحيد الذي كان يمتلك نفوذا قبلياً وأيديولوجياً وسياسياً واسعاً شمالي اليمن وجنوبه، علاوةً على ارتباطاته المتنوعة مع الخارج. وإلى جانب تمتعه بدعم لا محدود من السعودية، هو أيضاً يتبع تنظيم «الإخوان المسلمين»، ويمتلك نفوذاً واسعاً داخل المؤسسة الرسمية والعسكرية في النظام السابق، كأحد أهم أوراق المملكة في اليمن لعقود.في الفترة الأخيرة، أثيرت تساؤلات عن مستقبل الحزب: هل من الممكن أن يعود إلى ممارسة العمل السياسي بعد سقوط منظومته في 21 أيلول يوم دخول «أنصار الله» إلى صنعاء، ثم مشاركته في الحرب المتواصلة على اليمن في صف السعودية؟ وهل يمثّل تعيين اللواء علي محسن الأحمر، أحد أبرز مؤسسي الحزب، «نائباً عاماً للقوات المسلحة» قبل أسبوع، مدخلاً لإعادة الرياض «الإصلاح» إلى الحكم في المرحلة المقبلة؟
مثلت سيطرة «أنصار الله» على صنعاء سقوطاً لحزب «الاصلاح»

ورقة سعودية دائمة

بلمحة عن تاريخ الحزب الذي تحتضن السعودية حالياً قادته الدينيين والسياسيّين والقبليّين، يمكن ملاحظة ارتباطه لسنوات بالمملكة عبر قنوات عدة أبرزها الشيخ عبدالله الأحمر، الذي كان صاحب حظوة عند الاسرة الحاكمة، وأيضاً عبر القنوات الأيديولوجية الوهابية، التي يتلقى عبرها الدعم العقائدي والمالي لتكريس الوهابية في عموم اليمن، إلى جانب الدعم السياسي والمالي المعلن، الذي يتلقاه الشيخ عبدالله الأحمر لشراء ولاءات القبائل والمشائخ.
وبالرغم من تلك العلاقة المزدوجة مع السعودية، إلا أن «حرب 94» التي تصدر فيها «الاصلاح» الحشد والتعبئة، لم تكن توافق هوى السعودية التي وقفت بجانب الانفصال ودعمت تيار الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض بالسلاح والمال. ويشبه هذا التباين بين «الاصلاح» والسعودية في الموقف من حرب 94، إلى حد كبير تباينهما أخيراً حيال قضايا إقليمية مثل إسقاط الرئيس المصري محمد مرسي، لكون هذا التباين ما لبث أن انتهى ليعود «الاصلاح» الى حظيرة السعودية، مع اعلانها حملة «عاصفة الحزم»، العدوان على اليمن.
انتهت أحداث «حرب الانفصال» ليبقى «الاصلاح» شريكاً للحزب الحاكم لدورة انتخابية واحدة، قبل أن يقصى على أثرها كما اقصي الحزب الاشتراكي. وبرغم بقاء نفوذ «الإصلاح» الواسع في داخل منظومة السلطة والهيكل الإداري والعسكري، بدأ منذ عام 2001 يؤدي دوراً مع المعارضة التي كان «الاشتراكي» أبرز قواها الى جانب حزب «الحق» و»الناصري» وبعض التيارات الصغيرة الأخرى، وصولاً إلى تأسيس «اللقاء المشترك» الذي تمكن «الاصلاح» من السيطرة على قراره لمصلحة الاجندة السعودية في اليمن التي كانت تمتلك الوصاية على السلطة ايضاً، ولا سيما بعد اغتيال زعيم الاشتراكي جار الله عمر.

إحياء الحزب بعد العدوان

منذ «ثورة فبراير 2011»، بدأ «الإصلاح» خسارة حضوره السياسي والاجتماعي والشعبي، في سياق تنازلات قدمها مقابل مكاسب سياسية لم يلبث أن خسرها أيضاً. وفي الوقت الذي اعتقد فيه قادة الحزب أنهم سيطروا على مسار الثورة وقطفوا ثمارها عبر توقيع المبادرة الخليجية وأخذ رئاسة الحكومة ثم تقاسم الجيش برعاية سعودية، كان قطاعاً شعبياً ونخبوياً واسعاً على رأسه حركة «أنصار الله»، يدرك أن الحزب الذي كان يرفع شعارات التخلص من الوصاية السعودية، سرعان ما «سال لعابه»، وهرول لتقاسم السلطة مع حزب «المؤتمر» ليظهر وكيلاً للسعودية صراحةً.
في أيلول عام 2014، مثلت سيطرة «أنصار الله» على صنعاء سقوطاً لحزب «الاصلاح» تمثّل بفرار قادته إلى الرياض، ما وضع حداً لمرحلة طويلة من سيطرة الحزب الإسلامي على البلاد. وكشفت تقارير ومصادر كانت قد اطلعت على جلسات الحوار (برعاية جمال بن عمر) التي أعقبت الأزمة حينها، أن «الإصلاح» وقف حجر عثرة أمام الحلول التي جرى التوصل إليها، حين طلب ممثلو الحزب «أخذ موافقة السعودية» قبل توقيع اتفاق ينهي الأزمة.
خلال الأشهر الأولى من العدوان، استطاع «الإصلاح» أن يعود إلى الواجهة، في الجنوب ومناطق في تعز ومأرب، من بوابة النفوذ العسكري. قاتلت مجموعات «الإصلاح» المسلحة إلى جانب الفصائل المؤيدة للتحالف السعودي، إلا أن أحداثاً عدة بيّنت أن تعويل الحزب على الرياض من جديد ليعود إلى السلطة السياسية، لم يكن بمحلّه. فبعد سيطرة قوات «التحالف» على عدن في تموز الماضي، سارع «التحالف» في إقصاء شخصيات «الإصلاح» من مناصب الدولة مثل منصب محافظ عدن، ومن جميع الوحدات الحكومية التي كان يديرها في الجنوب، فيما بقي الحزب في ساحل حضرموت تحت «قناع» تنظيم «القاعدة» ثم الحلف القبلي (المجلس الأهلي الحضرمي).