إسطنبول | خلال الأسبوع الجاري، استهدف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد، ثلاث مرات بأشد وأعنف التعابير والجمل التي عكست عصبية بدت بوضوح على ملامح وجهه. ولم يفوّت رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، أي فرصة لمهاجمة الرئيس السوري والنظام في دمشق، حيث قال عنه أردوغان إنه سيدفع ثمن جرائمه مهما طال الزمن، مناشداً طهران أيضاً التخلي عن النظام في دمشق. ولم يتردد أردوغان في تشبيه الأسد بيزيد، قائلاً بغضب، إن ما حدث في بانياس ليس أقل وحشية مما جرى في كربلاء. وناشد الجامعة العربية التدخل العسكري الفوري في سوريا. وتحدث أردوغان إلى إحدى الصحف اليابانية، قائلاً إن جميع الأدلة تثبت استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية. أمّا تصريحات وزير الخارجية التركي، لصحيفة «حرييت» أمس، فقد جاءت لتعكس التوجه الجديد في سياسات أنقرة ضد سوريا، إذ اتهم داوود أوغلو الأسد بالعمل على تمزيق وحدة بلده وإقامة دولة علوية على طول الشريط الساحلي. وفسر الوزير التركي ذلك بـ«التطهير المذهبي» الذي قال عنه إنه تم على أيدي الجيش السوري في بانياس.
في غضون ذلك، قالت صحيفة «جمهورييت» التركية إن أردوغان أمر بتشكيل لجنة خاصة وعاجلة مكلفة جمع المعلومات والأدلة لإثبات استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية. وأضافت الصحيفة أن أردوغان سيحمل معه ملفاً خاصاً عن استخدام الجيش السوري لمثل هذه الأسلحة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته واشنطن 16 الشهر الجاري.
وكانت صحيفة «ملييت»، في عددها الصادر أول من أمس، قد قالت إن الاستخبارات التركية الوطنية بدأت بتبادل المعلومات مع الموساد الإسرائيلي، مضيفة أن هذا التعاون يشمل موضوع الأسلحة الكيميائية في سوريا. وتوقعت الصحيفة المزيد من التنسيق والتعاون التركي – الإسرائيلي خلال الصيف المقبل.
وجاءت هذه المعطيات في موضوع الكيميائي، بعدما نقلت سيارات الإسعاف التركية قبل أسبوعين بعض الجرحى من منطقة أعزاز السورية إلى المستشفيات التركية بحجة أنهم تعرضوا لأسلحة كيميائية. وقالت الصحف التركية إن التحاليل والفحوصات الأولية أثبتت أن هؤلاء لم يتعرضوا لأي أسلحة كيميائية، ما اضطر السلطات الطبية لنقلهم إلى المستشفى العسكري في أنقرة لإجراء المزيد من الفحوصات التي قد تثبت بأي شكل كان استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية.
وجاءت تصريحات كارلا ديل بونتي، التي اتهمت المعارضة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية، لتزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى أردوغان الذي كان يتوقع للموضوع الكيميائي أن يتطور ليساعده في مساعيه لتضييق الحصار على عدوه اللدود بشار الأسد. وما زاد في الطين بلة بالنسبة إلى أردوغان نتائج لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة جون كيري ــ سيرغي لافروف في موسكو. لقاء استنفر أردوغان ووزير خارجيته، ومعهما الأمير القطري حمد بن خليفة، لإخراج المعارضة السورية من مأزقها بعد استقالة أحمد معاذ الخطيب وفشل غسان هيتو في فرض نفسه على المعارضة السورية بكل أطيافها.
ودفع ذلك أطراف المعارضة إلى البحث عن بديل له في اجتماع قيادات الائتلاف الوطني السوري في إسطنبول 12 الشهر الجاري، بناءً على دعوة من أردوغان وحمد الذي يتنافس مع القيادات السعودية على هذا الموضوع.
وتضع كل هذه التطورات رئيس الوزراء التركي أمام امتحان أصعب، بعدما كان يتوقع لمباحثاته مع الرئيس الأميركي أن تدعم موقفه الداعي إلى إسقاط الرئيس الأسد. أي كانت صيغة التدخل المباشر أو غير المباشر في سوريا التي يؤمن أردوغان بأنها قد تحولت إلى قضية داخلية بالنسبة إليه، وخاصة بعد مصالحته مع حزب العمال الكردستاني وانسحاب مسلحي الحزب من تركيا إلى شمال العراق ومنها إلى سوريا.
وهذا الأمر يعني أن الملف السوري بكل تطوراته الداخلية وانعكاساتها الخارجية إقليمياً ودولياً قد أصبح الهم الشاغل بالنسبة إلى أردوغان، لأن ذلك مرتبط أيضاً بحساباته الداخلية، وأهمها تحويل النظام السياسي في تركيا إلى رئاسي ليصبح العام المقبل رئيساً للجمهورية. كل ذلك يتطلب من الرجل تحقيق العديد من التوازنات الداخلية والخارجية، وأهمها الدعم الأميركي الذي سيسعى أردوغان إلى ضمانه خلال زيارته القريبة لواشنطن، وبعد زيارات زعماء الإمارات والأردن وقطر إليها خلال الأيام الماضية. زيارات تعقب العدوان الإسرائيلي على دمشق، الذي اعتبرته الصحافة الإسرائيلية أنه كان نتاج المصالحة التركية - الإسرائيلية بعد اعتذار رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو من أردوغان بوساطة أوباما «بسبب الوضع في سوريا»، على حد تصريح المسؤول الإسرائيلي.