دمشق | «العفو عند المقدرة من شيم الكرام»، هكذا ينظر الكثير من مؤيدي النظام إلى مرسوم العفو العام الذي صدر أول من أمس. آلاف المعتقلين تمّ الإفراج عنهم، لكن لا أثر لهم. لا الحكومة عرّفت عن بعضهم في وسائل الإعلام الرسمية، ولا القوى المعارضة أفادت بإطلاق سراح أي من كوادرها. ولا معلومات عن التهم التي تسببت في إبقاء بعضهم شهوراً في المعتقل. في رحلة البحث عن «المشمولين» بالعفو، نفى رئيس تيار «بناء الدولة» المعارض لؤي حسين أن يكون بينهم منتمون إلى تياره، مؤكداً أن لا قيمة سياسية لهذا العفو. كما نفى عضو «هيئة التنسيق» المحامي المعارض رجاء الناصر لـ«الأخبار» الإفراج عن معتقلي الهيئة في ظلّ «إنكار الأجهزة الأمنية وجود بعض المعتقلين لديها أصلاً». وتحدث الناصر عن قانون مكافحة الإرهاب، معتبراً أنه أسوأ قانون على الإطلاق يطبق في العالم كله، باعتباره قانوناً مطاطاً، ويحال إليه معظم معتقلي الرأي في سوريا، إذ يمكن تطبيقه على كل من قال «أنا مع الجيش الحر»، على سبيل المثال. وبالتالي فإن عدداً كبيراً من المعتقلين لا يشملهم مرسوم العفو، وإن شمل بعضهم جزئياً، مثل: أحكام العفو عن ربع المدة. ويذكر الناصر أنّ الحديث يجري عن الإفراج عن 2400 معتقل وفق العفو الأخير. ولا يتفاءل الرجل بهذا العدد، إذ إنّ الإشكالية الحقيقية، لديه، تكمن في العقلية التي تتمكن من اعتقال أعداد أكبر في اليوم التالي لعملية الإفراج. ويعبّر الناصر عن رأيه في سبب وتوقيت إصدار مرسوم العفو، حيث يراه مجرّد بروباغندا إعلامية أكثر منه حلاً واقعياً، ولا سيما وقد سبقته مراسيم سابقة لم تأتِ بنتائج مرضية على واقع المعتقلين في البلاد. ولن يكون للمرسوم أي صدى سياسي، إذ إنه لم يأتِ نتيجة مفاوضات مع المعارضة، إنما جاء من موقف الأقوى باعتبار الجيش السوري اليوم يحرز تقدماً في بعض المناطق، وإن كان «يتراجع في مناطق أُخرى»، حسب تعبيره. ويتابع الناصر: «الحل يكون من خلال صدمة إيجابية يقوم بها النظام بالإفراج عن جميع المعتقلين الذين قد يصلون بحسب بعض الإحصائيات إلى 70 ألفاً، وإفراغ السجون ممن فيها».
كثير من السوريين يؤمنون بقيادتهم السياسية «الحكيمة» التي لا تخطئ، ويرون أن كل مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية هو مكرمة منه للشعب. وعند كل مرسوم عفو عام يبدأ الجدل بين المعارضين والمؤيدين، وبين المؤيدين في ما بينهم. وهو تماماً ما حصل عند صدور مرسوم العفو الأخير، إذ انتشرت هواجس كثيرة حول السبب السياسي الذي يقف وراء مثل هذا المرسوم بعفو عمّن سمّاهم «مرتكبي الجرائم». التسمية بحد ذاتها أثارت استفزاز البعض في ظل بقاء أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين في السجون، في حين أن «جريمتهم» الوحيدة كانت إعلان آرائهم.
المحامي حسام حبش يفصّل لـ«الأخبار» المواد التي تمّ استثناؤها من مرسوم العفو، والتي تتضمن الجرائم العسكرية مثل: العصيان المسلّح وسرقة الأسلحة واستعمالها، وعدم إطاعة الأوامر وإقامة جمعيات عسكرية سرية، «الجيش الحُر مثالاً». ويلفت حبش إلى أنّ المرسوم شمل قانونياً معتقلي الرأي، إنما لم يشمل كلّ من حمل السلاح أو قدم المعونة لحمَلته، حتى ولو كانت الطعام، أو حرّض على حمله أو على العدوان العسكري على سوريا أو طالب باقتطاع جزء من الدولة السورية. ويشرح حبش «الجرائم» المشمولة في المرسوم باعتبار أنّ التظاهر بدون رخصة يعتبر جريمة جنحوية يشملها العفو الأخير، مشيراً إلى أنّ الدول التي تمرّ بمرحلة انهيار بنيان نتيجة أعمال العنف القائمة، لا شكّ تمرّ بضائقة اقتصادية لن تمكّنها من إصدار مراسيم عفو معنية بالاقتصاد.