عدن | ينظّم الحراك الجنوبي اليوم «مليونية» إحياءً لذكرى «ثورة أكتوبر» (1963) ضد الاستعمار البريطاني. المناسبة هذا العام لن تكون عادية، إذ يمكن القول إن التغييرات التي طرأت على المشهد اليمني أخيراً، بعد سيطرة جماعة «أنصار الله» فعلياً على زمام الأمور في البلاد، «عبّأت» الجنوبيين لنسخ التجربة الحوثية في الجنوب، تمهيداً لتحقيق آمالهم في الانفصال.

وفيما تأتي «المليونية» ضمن واقعٍ سياسي مأزوم، لغياب المرجعية السياسية للحراك، ينتظر اليوم إعلان «مجلس تنسيق» لتوحيد مكونات الجنوب.وقد زادت الأزمة السياسية والأمنية التي تشهدها العاصمة اليمنية صنعاء، الأصوات الجنوبية المطالبة بضرورة توحيد المكوّنات السياسية في الجنوب، في ظلّ دعوات من أنصار «الحراك الجنوبي» لإسقاط المناطق الجنوبية وإدارتها. في هذا الوقت، أبدى عددٌ كبير من السياسيين في الجنوب مخاوفهم من الدعوات لإسقاط المناطق الجنوبية، خصوصاً في ظلّ عدم وجود حامل (كيان) سياسي جنوبي موحد، يستطيع إدارة المناطق الجنوبية والتفاوض خلال المرحلة المقبلة.
ويعاني الحراك الجنوبي منذ انطلاقه عام 2007 من عدم توحّد مكوناته المتعددة، ومن عدم إيجاد حامل سياسي موحد يعبّر عن مطالب الجنوبيين الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية منذ أكثر من 8 سنوات. فإن مكوناته تنقسم إلى فئات تطالب بالتحرير والاستقلال عن الشمال، واستعادة دولة الجنوب على أن يتزعمها الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، فيما ترى فئات أخرى أن الحلّ يكمن في الفدرالية التي تنتهي بإعطاء شعب الجنوب حق تقرير مصيره، على أن يتزعمه الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد.
الخلافات بين مكونات «الحراك الجنوبي» أصبحت همّاً يؤرق الكثيرين من نشطائه ومؤيديه، ولا سيما في فترة ما بعد سقوط صنعاء بيد الحوثي، وتزايد الدعوات لتكرار تلك التجربة عبر سيطرة الحراك على المحافظات الجنوبية. وتتسع المخاوف في هذا المجال، من إدخال الجنوب في صراعٍ وفراغ أمني يستغله عناصر «القاعدة» للتوسع جنوباً والسيطرة على المزيد من المناطق.
في الأيام الماضية، شهد الجنوب اليمني تحركات كثيفة بهدف توحيد مكونات الحراك، إلا أنه ـ بحسب مصدر قيادي ـ فشلت جهود توحيد المكونات، ولا سيما جهود محمد علي أحمد. وفيما تتواصل تلك الجهود عشية الحشد لمليونيةٍ تحيي ذكرى «ثورة أكتوبر»، يرى مراقبون أن غياب الممثل السياسي للحراك سهل انتحال شخصية صفة ممثليه، مثلما حدث في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، حين استعان الرئيس عبد ربه منصور هادي بشخصيات جنوبية موالية له، على أنها ممثلة للحراك الجنوبي، في وقتٍ لا علاقة لها به، ولم تكن مشاركة فيه. معضلة تشتت قيادات الجنوب، ظلّت الذريعة الأبرز للممثلي السفارات والدول الراعية للمبادرة الخليجية عند مقابلتهم لقيادات «الحراك الجنوبي» وناشطيهم، فهم يتهمون الحراك بالتشرذم وبعدم إيجاد ممثل له، وبالتالي ضياع قضيتهم ومطالبهم.
ويقول القيادي في الحراك في الخارج، جابر محمد لـ«الأخبار» إن الفرصة متاحة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى كي تتوحد القيادات والمكونات السياسية، مضيفاً أنه لا يوجد جنوبي واحد لا يريد استعادة الدولة الجنوبية، «ولكن تختلف طرق الوصول إلى الهدف».
ويؤكد جابر أن «الاحتفال بذكرى الثورة سيشهد إعلان مجلس تنسيق يضم كل المكونات السياسية، ويكون قادراً على تحمّل المسؤولية الوطنية خلال المرحلة الحالية، خصوصاً في ظلّ الوضع السياسي المتدهور في صنعاء»، محذراً من أنه إذا لم يستفد الحراك الجنوبي من المشهد السياسي الجديد ويمسك بزمام الأمور في الجنوب، معلناً الاستقلال الثاني، فلن تكون هناك فرصة أخرى مستقبلية مواتية أفضل من الفرصة الحالية».
من جهته، يرى الناشط في الحراك في عدن، جمال مطلق، أنّ بالإمكان تجاوز مشكلة وحدة الصف الجنوبي، إذا كانت هناك نية لدى الدول الراعية من خلال تبني مؤتمر جنوبي وإنجاز التوافق المطلوب والاعتراف بقيادته وتمثيله للقضية، أسوةً بما حصل في دول كثيرة.
وبشأن مستقبل التوافقات بين قوى الحراك السلمي وشخصياته، قال مطلق إنها لن تفضي إلى تكوين إطار جامع حقيقي، بقدر ما يستطيع فقط توجيه وإدارة الفعاليات الجماهيرية على أحسن تقدير، مضيفاً أنه ما لم تتوافر شروط تكوين المرجعية الجنوبية الجامعة، فإن محاولات التعبير السياسي عن الحراك الشعبي العام من خلال إطار أو تكوين سياسي محدد لن يحالفها النجاح، وقد تتشظى. لكن مطلق يؤكد في المقابل أن ذلك لن يؤثر في الزخم الجماهيري الذي تبلوره وتصوغه المعاناة المشتركة والهدف المشترك للجماهير في عموم الجنوب.