غزة | أطلق مسؤولون ومختصون فلسطينيون يعملون في مجال الرعاية الصحية، نداءات استغاثة عاجلة على وقع تفشي أمراض تنفسية وجلدية ووبائية معدية وخطيرة بين سكان قطاع غزة، وتحديداً في مناطق شمال الوادي، محذرين من الوصول إلى نقطة اللاعودة حال تفشي مرض الكوليرا، والذي يقدّر هؤلاء أن أسباب انتشاره باتت متوافرة أكثر من أي وقت مضى، في ظل الظروف اللاإنسانية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على القطاع. ويشير ترصّد المتلازمات في مناطق شمال غزة، إلى زيادة في الأمراض المعدية ومنها التهاب الكبد الوبائي واليرقان، وارتفاع كبير في التهابات الجهاز التنفسي الحادة والجرب الجلدي والإسهال والإسهال الدموي، فضلاً عن ظهور أمراض مجهولة بحاجة إلى مختبرات وأبحاث عميقة لمعرفة ماهيتها.وكان قد حذّر مدير «منظمة الصحة العالمية»، تيدورس غيبريسوس، في كانون الثاني، من الوصول إلى هذه المرحلة الخطيرة، في حين ينبه المفوض العام لوكالة «الأونروا»، فيليب لازاريني، حالياً، إلى إمكانية تفشي مرض الكوليرا. والأخير مرض معوي بكتيري خطير، ينتشر عادة عبر المياه والأغذية الملوثة، ويسبب الإسهال الشديد وجفاف الجسم في غضون ساعات، وقد يؤدي إلى الموت في كثير من الأحيان. ويعاني قطاع غزة من بيئة غير صحية مطلقاً، ومشجعة على انتشار الأوبئة والأمراض المُعدية؛ إذ يتكدس ما نسبته حوالى 70% من سكان القطاع في أماكن محدودة وغير صحية، ويعانون نقصاً حاداً في الماء والغذاء، عوضاً عن تلوثهما، إلى جانب تلوث الهواء بفعل انبعاث غازات الغارات الإسرائيلية، وتعطل عمل البلديات والذي أدى إلى تكدس ملايين الأطنان من النفايات الصلبة، وطفح مياه الصرف الصحي في أماكن النزوح ومحيطها، وفي المناطق العامة مثل الأسواق المركزية والشوارع الحيوية.
ويؤكد المدير الإداري والطبي في «مجمع مستشفيات الصحابة الطبي»، نعيم أيوب، أن «الأسباب البيئية والصحية في قطاع غزة مهيأة تماماً لظهور أمراض وبائية مميتة مثل مرض الكوليرا»، محذراً من أن «الوضع سيكون في حينها أكثر كارثية وبؤساً، ولا سيما في ظل الانهيار الكامل الذي أصابَ المنظومتين الصحية والبيئية في القطاع، والتي تلقت ضربات إسرائيلية مركزة ومتتالية منذ السابع من أكتوبر». وينبه أيوب، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «انتشار الكوليرا في بؤرة معينة، يمكن أن يمتد إلى جميع نواحي القطاع في غضون أيام قلائل، وعندها لا تنفع مع تلك الحالة أي إجراءات طبية أو صحية، خاصة أن القطاع سواء جنوبه أو شماله يفتقد إلى المعازل الصحية وإلى خطط طارئة تتناسب مع مثل هذا الوباء». ويشير إلى أن «النظافة تكاد تكون منعدمة في أماكن الإيواء بسبب شح المياه، وتكدس القمامة الصلبة وطفح الصرف الصحي، إلى جانب تكدس النازحين في تلك المناطق، إذ إن كثيراً من الغرف التي لا تتجاوز مساحتها حوالى 20 متراً، يتواجد فيها 20 إلى 30 شخصاً، ما يعني أن لكل شخص تقريباً، متراً في أفضل الظروف، وهو الأمر الذي يشجع على انتقال العدوى والأمراض فيما بينهم»، مضيفاً أن «النازحين يأكلون من صحن واحد، ويشربون من كأس واحدة، ويستخدمون مراحيض عامة تعرّضهم لأمراض وأوبئة فيروسية خطيرة»، مرجحاً أن «أماكن إيواء كاملة أصيبت بالكبد الوبائي (A) من دون تلقي العناية أو إجراء رصد إحصائي فيها».
وفي الاتجاه نفسه، يؤكد الطبيب محمد أبو عفش أن «كثيراً من الوبائيات قد تنتشر في قابل الأيام»، مشيراً إلى أن «هناك تسجيلاً لكثير من حالات الكبد الوبائي (A)، واليرقان، وأمراض جلدية معدية، وأخرى تنفسية خطيرة»، مبيناً أن «تلك الحالات مؤشر خطير ومقدمة موضوعية لتفشي مرض الكوليرا والسحايا وغيرهما من الوبائيات»، محذراً من أن «أي وباء من مثل الكوليرا سينتشر كالنار في الهشيم في قطاع غزة، في ظل المنظومة الصحية المتهالكة». ويلفت إلى «ندرة المياه الصالحة للشرب والاستحمام، وعدم وجود غذاء كافٍ وصحي، وعدم وجود تصريف للنفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، والافتقار إلى أماكن نزوح ملائمة، وعدم القدرة على إخلاء الجثث البشرية المتحللة في المنازل، أو رفع الحيوانات الميتة من الطرقات»، مستنتجاً أنه «إذا ما تفشت بعض الوبائيات وتحديداً الكوليرا في هكذا ظروف، فسنذهب إلى الهلاك الحقيقي، ولحظتها لا ينفع مع هذا الأمر أي إجراء إسعافي أو وقائي»، موضحاً أن «الإمكانات المحدودة التي بحوزة وزارة الصحة، وبعض المؤسسات الصحية العاملة، لا يمكن أن تحتمل مثل هذه الوبائيات المميتة، فلا يوجد لا مستشفيات، ولا أسرّة، ولا معازل صحية، ولا علاجات، ولا إجراءات». ويشدد على أن «إيقاف الحرب هو كلمة السر لإبعاد الوبائيات»، مناشداً «المنظمات الدولية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات المجتمع المدني إدخال مستشفيات ميدانية، وتمكين طواقم عمل البلديات والحكم المحلي من إزالة النفايات، وتصريف مياه الصرف الصحي، وضخ مياه نظيفة».
وتعزز مخاوف المسؤولين السابقين، تحذيرات محمد عطا، المسؤول في مدرسة الشجاعية التي تضم حوالى 2000 نازح، إذ يقول إن «أماكن الإيواء غير صحية مطلقاً، وكثير من النازحين أصيبوا بعدوى نتيجة الاكتظاظ في المكان، ولا مقدرة لدى إدارة المدرسة على مواجهة خطر تفشي مرض وبائي، ولا سيما في ظل محدودية الموارد والأدوات الصحية المتاحة، من جراء استمرار الحصار». ويدعو عطا إلى «الإسراع في إدخال الدعم اللازم على صعيد أدوات النظافة الشخصية، والعلاجات اللازمة لتقوية المناعة، ودعم النازحين بالغذاء الملائم والصحي، والعمل على إزالة النفايات الصلبة والسائلة، وضخ مياه صحية للشرب والاستحمام».