تونس | انطلقت، يوم الثاني والعشرين من آب الماضي، الأحزاب السياسية التونسية في تقديم قوائم مرشحيها للانتخابات التشريعية التي ستعقد في 26 تشرين الأول المقبل، التي يتفق جميع السياسيين على أنها لن تكون كسابقاتها، سواء في عهد الرئيسين السابقين الزعيم الحبيب بورقيبة أو الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أو حتى انتخابات عام 2011.
الانتخابات المقبلة، وبحسب المتابعين للشأن السياسي التونسي، ستكون البداية الحقيقية للمرحلة الانتقالية وستعيد تشكيل المشهد السياسي في تونس. انتخابات تشرين الأول2011، التي شارك فيها ما يفوق على مئة حزب سياسي، أدت إلى فوز «حركة النهضة» وحليفيها المتمثلين في حزب رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي (المؤتمر من أجل الجمهورية) وحزب رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر (التكتل من أجل العمل و الحريات). إلا أن هذه الأحزاب لم تستطع بعد تجربة الحكم الحفاظ على تقدمها في المشهد السياسي، إذ نجد حليفي «النهضة» يتذيلان آخر استطلاعات الرأي بالتوازي مع ما يبدو زعزعة في صورة شعبية رموزها، في وقت حافظ فيه الحزب الإسلامي على موقع متوسط في سبر الآراء يوازي الثلاثين في المئة من نيات التصويت أمام منافسه الأقوى حركة «نداء تونس» وزعيمه الباجي قائد السبسي.


الإسلاميون والعزف السياسي المنفرد

المتأمل في خارطة التحالفات الحزبية في تونس يرى أن «النهضة» تخلت فعلياً عن حليفيها بعدما شق الحكم صف «الترويكا» (الأحزاب الثلاثة) وانفرط عقد تحالفها، وخصوصاً بعد تبادل الاتهامات في ما بين مكوناتها بشأن مآل الوضع الاقتصادي والأمني للبلاد وتنامي الإرهاب باغتيال القياديين السياسيين شكري بلعيد والنائب محمد البراهمي واستهداف الجيش والأمن التونسيين من طرف مجموعات إرهابية. الاتهامات دارت في فترة معينة حول أداء قادة بارزين في الحكم دوراً بتسهيل هروب أمير تنظيم «أنصار الشريعة»، أبو عياض، كما دارت كذلك حول مسألة لاقت الكثير من الضجيج الإعلامي في ما يخص «تجنيد الشباب التونسي للقتال في سوريا».
«حركة النهضة» التي سجلت تراجعاً نسبياً في نيات التصويت، قررت الذهاب منفردة الى الانتخابات برغم تصريح زعيمها راشد الغنوشي بأن الحركة لا تزال تدرس إمكانية عقد تحالفات، وهي التي أنهت التزامها مع شريكيها السابقين في الحكم وآملة، بحسب تصريحات قادتها، الحفاظ على أغلبيتها التي ما فتئت تتلاشى بسبب تنامي ظاهرة الانقسام في الشارع التونسي على خلفيات سياسية ما بين إسلاميين ومعارضين لتلك التوجهات، وهي ظاهرة تعد غير مسبوقة تهدد ما بنته الحركة الإصلاحية التونسية منذ عقود.
أما حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، فقد قرر وبعد الجفاء مع الإسلاميين، المضي منفرداً برغم تأخره من حيث نيات التصويت، التي تقدر على نحو متوسط بحسب استطلاعات أخيرة بأقل من خمسة في المئة. وبذلك، تواصل الركيزة الثالثة لما كان يعرف بـ«الترويكا»، حزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، رحلتها في البحث عن تحالفات ترفضها «المعارضة الديموقراطية»، لتلجئ نحو أحزاب صغيرة آملةً إقامة جبهة انتخابية قد تحفظ ماء الوجه.


المعارضة: جماعات وفرادى

ولئن تبدو فرضية ذهاب «النهضة» منفردة إلى الانتخابات واختيار استراتيجية عقد تحالفات بعد الاستحقاق الانتخابي، فإن المفاجآت واردة مما قد يحدث ارتباكا لدى خصومها، وهو ما عوّد به الحزب الإسلامي التونسيين ومنافسيه السياسيين.
في المقلب الآخر، قررت الفئات المنضوية تحت مظلة ما يسمى «اليسار التونسي»، متمثلة في أحزاب «الجبهة الشعبية»، المضي إلى الانتخابات في قوائم موحدة جرى الاتفاق عليها بين مكونات الجبهة الرئيسية، وهي «حزب العمال التونسي» و«حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد» إلى جانب «التيار الشعبي»، إضافة إلى عدد من الاحزاب اليسارية الصغيرة. وبرغم محدودية تأثير هذا التجمع عقب انتخابات 2011، فإن «الجبهة الشعبية» نجحت بعد اغتيال المناضل شكري بلعيد في ملء الفراغ الذي تركته الأحزاب بابتعادها عن متابعة المطالب الشعبية الاجتماعية، وذلك برغم الارتباك داخلها منذ اغتيال بلعيد، الأمر الذي جعل الخلافات تدب داخلها لتعويضه في زعامة «الجبهة».من جهة أخرى، يظهر «نداء تونس»، ذو التوجه البورقيبي نسبة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، في صدارة نيّات التصويت الخاصة بالانتخابات التشريعية. ويعد «نداء تونس» من أقوى الأحزاب في البلاد، تليه مباشرة «حركة النهضة».
وفي وقت كان فيه «نداء تونس» عنصراً أساسياً في أي تحالف سياسي، إلا أن التحالف غير الانتخابي الذي شارك ضمنه في الصيف الماضي، «جبهة الانقاذ»، لم يصمد طويلاً بسبب انسحاب مكونين رئيسيين وهما «الحزب الجمهوري» و»التحالف الديموقراطي»، ليوجه «النداء» في وقت لاحق مصيراً مشابهاً ضمن تحالف آخر هو «الاتحاد من أجل تونس».
وإلى جانب تلك الأحزاب، برز إلى الواجهة خلال الفترة الأخيرة مكون سياسي «جديد ـ قديم» يتمثل بما يعرف بـ»الدستوريين» نسبة الى الحزب الحاكم السابق، «التجمع الدستوري الديموقراطي»، الذي جرى حله في شهر آذار 2011. واستأنف رموز الحزب المنحل النشاط السياسي بعد حسم القضاء في ملفاتهم، فالتحق شق منهم بـ»نداء تونس»، فيما توزع البقية على أحزاب جديدة كوّنوها، أبرزها «الحركة الدستورية»، التي يرأسها الوزير الأسبق حامد القروي. وهي حركة تسعى للعودة إلى الحكم على غرار «حزب المبادرة الوطنية الدستورية» التي يرأسها وزير الخارجية الأسبق كمال مرجان.
معطى آخر قد يساهم أيضاً في تكوين البانوراما السياسية المقبلة وفي قلب الموازين، حيث أن المستقلين باتوا يمثلون طرفاً وازناً في أي تنافس انتخابي.

«فخ» التوافق

برغم الصراعات السياسية التي طغت على المشهد السياسي التونسي ووصلت حد العنف والتهديد بالاغتيال، فإن جميع مكونات الساحة السياسية التونسية غالباً ما تلجأ الى مصطلح «التوافق» في رؤيتها لإطار العمل السياسي التونسي، وخاصة «حركة النهضة» التي وصلت إلى حد المطالبة برئيس جمهورية توافقي، الأمر الذي رفضه شق واسع من السياسيين لما فيه من تضمين لمبدأ «البيعة» والمتنافي مع روح الديموقراطية، بحسب ما عبر عنه الناطق باسم «الجبهة الشعبية» حمة الهمامي.
ويرى محللون سياسيون أن حكم تونس، برغم الحراك السياسي الموجود وعمليات المخاض العسيرة للانتقال الديموقراطي، لن يكون خارج حكومات وحدة وطنية على الأقل على مدى العشريتين المقبلتين وأن نتائج الانتخابات المقبلة لن تكون سوى وسيلة لتحسين شروط التفاوض والظفر بمواقع حكومية، وأن حكومات الوحدة الوطنية ستكون مظلة تختبئ تحتها الأحزاب الحاكمة نظرا لصعوبة المرحلة المقبلة اقتصاديا واجتماعيا.



رئيس الحكومة مرشحاً رئاسياً؟

أثارت، خلال اليومين الماضيين، أنباء احتمال ترشح رئيس الحكومة الانتقالية مهدي جمعة للانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر تشرين الثاني المقبل جدلا واسعا في البلاد.واختير جمعة لتولي رئاسة حكومة كفاءات نهاية العام الماضي مهمتها الأساسية تسيير شؤون البلاد وقيادتها نحو انتخابات تشريعية ورئاسية في خطوة أخيرة نحو الاستقرار السياسي وفق خارطة الطريق التي اتفقت عليها الاحزاب السياسية في الحوار الوطني برعاية الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد. ونصت خارطة الطريق أن يتولى رئاسة حكومة الكفاءات شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات. وما من قانون يمنع جمعة من الترشح لكنه تعهد عدم الترشح وفقا للاتفاق مما دفع الاتحاد التونسي للشغل إلى مطالبته بتحديد موقفه بعد رواج أنباء عن إمكانية ترشحه للانتخابات المقبلة.
(رويترز)