الخرطوم | على رغم إخفاق رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، في تشكيل حكومة تُدير البلاد، إبّان انقلابه على الحكومة المدنية وانفراده بالسلطة، في تشرين الأول 2021، إلّا أنه ألقى باللائمة على السياسيين، الذين قال إنهم تسبّبوا في الانقلابات العسكرية. ودعا البرهان أمام حشد جماهيري خاطبه في شمال كردفان، السياسيين، إلى «تقبُّل الآخرين، وتوسيع أفقهم من أجل فترة انتقالية سلسلة تنتهي بتنظيم انتخابات»، واعداً بأن «السودان مقبل على مرحلة جديدة ستكون مرضية للجميع»، مشدّداً على ضرورة مشاركة جميع القوى في العملية السياسية، و«إلّا فإن هذه العملية ستتعثّر». ووفق محلّلين، فإن تصريحات رئيس «السيادة» تُبيّن أن القوات المسلّحة «تفتقد إلى المهنيّة»، وأنها «أضحت مؤدلجة»، لا سيما وأن السياسيين لم يتمكّنوا من إحداث اختراق في الجيش، فيما «يُسخّر العسكر القوّة التي بين أيديهم لتمكين المجموعة السياسية الموالية لهم التفرّد بالسلطة».وفي هذا الإطار، رأى الكاتب الصحافي، عادل عبد الرحيم، أن تصريحات البرهان «تعبّر عن مخاوف العسكر من المصير الذي ينتظرهم، حالَ اكتمال العملية السياسية الحاصلة الآن، وخروجهم من المشهد السياسي بعد تسليمهم السلطة للمدنيين، حيث تلاحقهم جرائم خلْفها مطالبون لن يتنازلوا عن حقوقهم، كجريمة فضّ اعتصام القيادة العامّة، بالإضافة إلى قتل نحو 125 من المتظاهرين، منذ انقلاب قائد الجيش». وقال عبد الرحيم، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «العسكر يحتَمون بالسلطة، ويخشون على أنفسهم من المحاسبة، وهم يدركون أن جرائمهم لن تُغفر، لذا، تأتي تصريحات البرهان بمثابة مرافعة للدفاع عن أنفسهم أمام الرأي العام ومحاولة للهروب من المحاسبة».
تصريحات البرهان «تعبّر عن مخاوف العسكر من المصير الذي ينتظرهم»


ويتّسق هذا الحديث مع تصريحات لوزير العدل السابق في الحكومة الانتقالية، نصر الدين عبد الباري، كشف فيها عن مفاوضات سريّة جرت بين العسكريين و«ائتلاف قوى الحرية والتغيير» في ما يخصّ ملفّ تحقيق العدالة. وقال عبد الباري، خلال مشاركته في «مؤتمر العدالة»، إن «العسكريين طلبوا منحهم العفو بنصّ دستوري أو إيجاد معالجة قانونية تضمن عدم محاسبتهم». ويأتي ذلك في وقت أعلن الناطق باسم العملية السياسية، خالد عمر، تشكيل لجنة تضمّ 11 شخصاً، 9 منهم مدنيون، وواحد من الجيش وآخر من قوات «الدعم السريع»، على أن يكون 40% من أعضائها نساء، من أجل توقيع الاتفاق السياسي النهائي. وحدّد يوم السادس من نيسان المقبل، موعداً للتوقيع على الدستور الانتقالي، على أن تتشكّل مؤسّسات السلطة الانتقالية (الحكومة الجديدة) في الـ11 منه، فيما سارعت «الآلية الثلاثية» المكوّنة من الأمم المتحدة، «الاتحاد الأفريقي»، و«إيقاد»، إلى الترحيب بإعلان الجداول الزمنية.
وفيما تمضي العملية السياسية نحو خواتيمها، تتمسّك قوى سياسية بموقفها الرافض للمشاركة فيها، إذ أكدت مجموعة «الحرية والتغيير - الكتلة الديموقراطية» التي تضمّ حركتَي «العدل والمساواة» بقيادة جبريل إبراهيم، و«تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، رفضهما الخوض فيها. حتى أن حركة «تحرير السودان» التي تشارك في الحُكم بموجب «اتفاق جوبا» للسلام، أعلنت التعبئة رفضاً لإعلان الحكومة المرتقبة. وقالت، في بيان، إنه «تقرَّر تكوين غرفة عمليات في العاصمة الخرطوم وبقية الولايات لتعبئة الجماهير للخروج إلى الشارع خلال الأيام المقبلة».
يذكر أن رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، قال، خلال إحاطة قدّمها أمام مجلس الأمن الدولي، الإثنين الماضي، إن مواقف حركتَي «العدل والمساواة» و«تحرير السودان» وخلافاتهما مع الموقّعين على «الاتفاق الإطاري»، «ليست حول هياكل السلطة الانتقالية أو الحكومة المقبلة، إنّما تتعلّق بضمان تمثيلهم الخاص في السلطة»، مشيراً إلى أن إصلاح الأمن ودمْج القوّات يُعدّان من العناصر الأكثر حساسيّة في مجمل العملية السياسية.