الموصل | خلال أربع وعشرين ساعة، لم يبق لسكان الموصل الأصليين سوى حرف (ن) بفعل تهديد ووعيد تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكن هل جاء الدور على فرنسا لتدق آخر مسمار في نعش المسيحية في نينوى؟إلى بلدة برطلة قرب الموصل، نزحت عائلة روبرت يعقوب قبل انتهاء مهلة مغادرة المدينة، التي «منّ بها الخليفة أبو بكر البغدادي على المسيحيين»، بحسب بيان لـ«الدولة».
«لا أمل لنا في العودة، لقد نجونا بأنفسنا فقط، وتركنا كل ما نملك خلفنا»، بهذا بدأ روبرت (32 عاماً) قصته التي أرسلها إلى القنصلية الفرنسية في أربيل.

وتابع السرد: «قبل أيام، كنت أعيش أنا وزوجتي وأبناؤنا الثلاثة في بيت كبير ورثته عن جدي، وها هو القدر ينتهي بنا إلى غرفة غير مكتملة البناء تفتقر إلى أبسط الخدمات، وحتى هذه يبدو أننا سنضطر إلى مغادرتها قريباً».
أكثر من 10 آلاف مسيحي نزحوا عن الموصل خلال شهر واحد فقط، ليسجل بذلك أكبر نزوح داخلي للمسيحيين في تاريخ نينوى، لكن ثمة تطورات استجدت أخيراً، يبدو أنها ستفتح الأبواب على مصراعيها أمام أوسع وأسرع موجة هجرة خارجية للمسيحيين.
الحكومة الفرنسية أعلنت على لسان وزيري الخارجية والداخلية، استعدادها لمنح مسيحيي الموصل صفة اللجوء وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك، بعد يومين من الإعلان توجه نحو ثلاثين شخصاً إلى القنصلية الفرنسية في أربيل للاستفسار.
هناك، اطّلع روبرت ورفاقه على آلية التقدّم بطلب للهجرة، وحصلوا على عنوان بريد إلكتروني يرسلون من خلاله قصصهم لتبرير رغباتهم في الهجرة.

«إنها فرص لا تعوض»، هكذا ينظر روبرت وكل من يتحمس للهجرة
مستشار محافظ نينوى لشؤون المسيحيين، دريد طوبيا، كشف أن نحو ألفي شخص أرسلوا بريداً إلى القنصلية خلال عشرة أيام فقط، أغلبهم من الشباب الذين هم أكثر حماسة للهجرة، فيما يبدو أن كبار السن مترددون حيال ذلك حتى الآن.
أم سنان (61 عاماً)، رفضت حتى آخر لحظة ترك بيتها المجاور لـ«كنيسة الساعة» الشهيرة وسط الموصل، وخرجت قبل انتهاء المهلة بساعة، بعدما أرغمها على ذلك ثلاثة من مقاتلي «الدولة»، لكنها مازالت تمنّي النفس بالعودة، وكانت ممن صفّقوا لموقف مطران الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو، المعارض للهجرة إلى فرنسا.
ساكو من بين مجموعة رجال دين مسيحيين عراقيين وعرب وأجانب، دعوا فرنسا إلى مساعدة المسيحيين على البقاء في نينوى، لا مساعدتهم على الرحيل عنها.
الكثيرون انتقدوا هذا الموقف، «لم يعد بالإمكان الاحتمال أكثر، في العراق لا ضمانات على حياتنا، كما فقدنا كل شيء، البيوت والوظائف والحرية الدينية ...، هذا الكلام غير واقعي»، يقول روبرت رداً على ما سمعه من رجال الدين.
مما زاد الطين بلة، التطورات الأمنية الخطيرة في محافظة نينوى، حيث نجح لأول مرة تنظيم «الدولة» في السيطرة على مناطق نفوذ كردي، بعد اشتباكات استمرت يومين مع قوات البشمركة الكردية، ليعود إلى الأذهان مشهد هروب الجيش العراقي من الموصل.

المناطق التي دخلت تحت عباءة «الدولة»، هي زمار وسنجار وأجزاء من تلكيف المختلطة سكانياً، التي يعدّها إقليم كردستان تابعة له، وتسيطر القوات الكردية عليها منذ عام 2003.
مناطق سهل نينوى معقل المسيحيين الأكبر في العراق، وخاصة بعد نزوح مسيحيي الموصل إليها، هي الأخرى تحت السيطرة الكردية حتى الآن، لكن ثمة خشية كبيرة من تمدد نفوذ «الدولة» إليها، ولاسيما بعدما أصبح مقاتلو التنظيم قاب قوسين أو أدنى منها.
دريد طوبيا أكد أن مئات المسيحيين نزحوا من سهل نينوى إلى إقليم كردستان وتركيا، بعد التطورات الأخيرة، مشيراً إلى أن هؤلاء أيضاً بدأوا يتطلعون للهجرة إلى فرنسا، بعدما قُوضت آمالهم في العودة إلى الموصل.
الأكيد أن عشرات وأحياناً مئات الطلبات تُرسل يومياً من المسيحيين إلى قنصلية فرنسا في أربيل وسفارتها في بغداد للهجرة، مما ينذر بإفراغ نينوى من سكانها الأصليين، إذا ما نفذت فرنسا وعدها بتسهيل وصولهم إلى أراضيها.
«إنها فرص لا تعوض»، هكذا ينظر روبرت وكل من يتحمس للهجرة، في المقابل ثمة آخرون وهم قلة، لم يحوّلوا حتى الآن أنظارهم عن بيوتهم وأصدقائهم وكنائسهم في مدينة الموصل.