بغداد | تصاعدت حدة الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، بالتزامن مع خوض العراق الحرب على إرهاب تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتسارعت معها احتمالات انفراط عقد التحالف الشيعي ــ الكردي، ونشوء تحالف سنّي ــ كردي بديل للحلف السابق.
ساهمت معطيات جديدة وتراكمات سابقة في شحن الأجواء مجدداً بين الجانبين، لا سيما بين رئيس الوزراء نوري المالكي وغريمه مسعود البرزاني.
وتعود جذور الخلافات بين حكومتي بغداد وأربيل إلى بداية عام 2007، باعتراض الأكراد على مسودة قانون النفط والغاز، عندما رأوا أنه يصادر حقوقهم في تصدير النفط وعائداته.
وتعمّق الخلاف أكثر مع اتهام الأكراد لحكومة المالكي بالمماطلة في تنفيذ المادة 140 التي أُدخلت في الدستور العراقي كمادة واجبة التطبيق خلال فترة أقصاها ثماني سنوات، انتهت في العام الماضي، من دون العمل بأي من نصوصها. والمادة 140 تخص المناطق المتنازع عليها بين الكرد والعرب، وتتركز في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، حيث يطالب الأكراد بضمها إلى كردستان.

احتضنت أربيل
في الآونة الأخيرة
شخصيات سنيّة معروفة بمعاداتها للحكومة


وجاءت العقود النفطية التي أبرمتها كردستان مع الشركات النفطية العالمية في 2011 لتزيد من هوة الخلافات مع بغداد التي اتهمت أربيل بمخالفة الدستور والتجاوز على صلاحيات الحكومة الاتحادية.
وتضم حكومة المالكي وزراء شيعة وسنّة وأكراداً، وكذا الحال في مجلس النواب الذي يضم نواباً من الأطراف الثلاثة.
إلا أن التصعيد في المواقف غالباً ما يكون من جانب كتلتي المالكي والبرزاني.
ودفع فقدان الثقة بين الطرفين إلى اشتراط الأكراد تقديم التحالف الوطني (القانون ــ الأحرار ــ المواطن) مرشحه لرئاسة الوزراء كي يقدموا مرشحهم لرئاسة الجمهورية، ومثلهم فعل اتحاد القوى الوطنية (ائتلاف القوى السنية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة)، الذي تقاربت مواقفه كثيراً في الآونة الأخيرة مع رؤى الكردستاني، ما يعزز فرضية إعلان تحالف جديد بين الأكراد والسنّة على حساب التحالف الشيعي الكردي. واحتضنت أربيل في الآونة الأخيرة شخصيات سنية معروفة بمعاداتها للحكومة الاتحادية ودعواتها لحمل السلاح ضد الجيش العراقي، كرجل الدين رافع الرفاعي والشيخ علي حاتم سليمان والسياسي ناجح الميزان المقرّب من رجل الأعمال المعروف خميس الخنجر.
ويرى الكاتب والإعلامي الكردي هافال زاخوي، في حديث إلى (الأخبار)، أن العلاقات الكردية ــ الشيعية باتت على المحك ومهددة بالتفكك ما لم يتم إيجاد حلول سريعة وجذرية للمشاكل.
ورجّح زاخوي إمكانية عقد تحالف كردي ــ سنّي في الفترة اللاحقة، لكنه توقع انهياره خلال فترة وجيزة. وقال «التحالف المتوقع سرعان ما سينفرط، وسيكون تحالفاً مرحلياً وقصير الأمد ومهدداً بالفشل والتنافر، عازياً أسباب ذلك إلى وجود متطرفين سنّة ينظرون بقلق إلى وجود قوات البشمركة في المناطق السنيّة (المتنازع عليها).
ولم يخف زاخوي خشية الشعب الكردي من نشوب حرب طاحنة مستقبلاً بين الأكراد والسنّة، بسبب المناطق المتنازع عليها، التي يقطنها مزيج من الأكراد والعرب السنّة والتركمان.
وأعلن الأكراد في أكثر من مناسبة أن قوات البشمركة التي انتشرت في المناطق المتنازع عليها لن تخرج منها بعد الآن، أردفها البرزاني بتصريح من العيار الثقيل، قال فيه إن المادة 140 أُنجزت بالكامل مع سيطرة قواته على تلك المناطق. ويقول المحلل السياسي د. عزيز جبر شيال، في حديث إلى «الأخبار»، إن التحالف الشيعي ــ الكردي أصبح في طيّ النسيان، ويضيف «هنالك طلاق مخفي منذ سنتين بين الفريقين البارزين في التحالف، وهما كتلتا المالكي والبرزاني، رغم وجود قوى شيعية تحرص على إبقاء خطوط تواصل لإدامة ذلك التحالف، ومنهم تيّارا الحكيم والصدر.
وتعود جذور العلاقات الشيعية الكردية إلى عقود سابقة، وتحديداً إلى منتصف الستينيات عندما أطلق مرجع الشيعة آنذاك السيد محسن الحكيم فتوى بتحريم قتال الأكراد، خلال ذروة المعارك التي كان يخوضها الجيش العراقي ضدهم في شمالي البلاد.
وما زال الأكراد يستذكرون تلك الوقفة من المرجعية الشيعية، وأطلقوا اسم المرجع محسن الحكيم على أحد الشوارع الرئيسة في كردستان.
وتوحّد الموقف الشيعي الكردي أكثر مع تسلّم حزب البعث ونظامي البكر وصدام حسين مقاليد الحكم في العراق أواخر الستينيات، وشنّه حروباً على الأكراد، وحملات اعتقال وإعدامات ضد الناشطين الشيعة وعلمائها، وأصبح تفكير الأكراد والشيعة آنذاك لا ينفك في كيفية تخليص العراق من ذلك الحكم.
وفي مطلع الثمانينيات، بنى الزعيم الشيعي الراحل السيد محمد باقر الحكيم الذي كان يتزعم أكبر ميليشيا (بدر) لمقاتلة نظام صدام، فضلاً عن قيادته لواء المعارضة العراقي، بنى استراتيجية عمل تستند إلى ثلاث نقاط جوهرية، اعتبرها بمثابة خارطة طريق للقوى الشيعية، أولاها «الحلف الاستراتيجي مع الأكراد»، وثانيتها «العداء لحزب البعث»، وثالثتها «طاعة المرجعية الدينية»، والمقصود بالأخيرة تعزيز دور الحوزة العلمية في النجف في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية. ويعتقد د. شيال أن «نقاط الاختلاف بين الفريقين أصبحت اليوم أكثر وضوحاً من نقاط الاتفاق، وأن احتمالات إحراز اختراق أو تقدم على مستوى حل المشاكل باتت في حكم المستحيلة». ولم تتردد أطراف بارزة في كتلة دولة القانون، كحنان الفتلاوي، في إطلاق اتهامات بالخيانة لرئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، وتحميله مسؤولية سقوط الموصل بأيدي مسلحي «الدولة الإسلامية»، وزاد آخرون من كتلة «القانون» أيضاً باتهامهم للبرزاني بالتواطؤ مع «الدولة»، لتهجير التركمان الشيعة من تلعفر وطوزخورماتو.
ورغم تحفّظ قيادات شيعية على تصريحات البرزاني الأخيرة، تلقي باللائمة على ائتلاف دولة القانون في تدهور العلاقة مع الأكراد واتخاذه التصعيد الإعلامي منهجاً، بدلاً من الرغبة في معالجة المشاكل عبر الحوار.
ويرى مراقبون أنه رغم استكمال حلقات انفراط عقد الحلف القديم بين الشيعة والأكراد، لن يجازف أيّ من المكوّنين في إعلان انهياره رسمياً، وسيقتصر الموضوع على التلويح والتهديد، لا سيما أن الأكراد لديهم نقاط خلاف وملاحظات كثيرة على الحليف الجديد.