تقرّ إسرائيل، عبر التقديرات الاستخبارية التي تَرِد تباعاً في الإعلام العبري، بـ«قصور ذات اليد» عن خوض مواجهات مع فلسطينيّي الداخل (أراضي 48)، تُعدّ مرجّحة جدّاً في ظلّ الأوضاع الحالية، خصوصاً إذا ما اندلعت معركة على أيّ من الجبهات المحيطة بالكيان، ولا سيما مع قطاع غزة أو مع «حزب الله» في لبنان. ويُعدّ هذا القصور جزءاً من الكوابح التي تمنع المؤسّسة العسكرية في دولة الاحتلال من المُضيّ قُدُماً في استفزازها للفلسطينيين على نحو قد يدفع أيّاً من الجبهتَين المذكورتَين إلى الاشتعال. واللافت في هذه التقديرات، الواردة في صحيفة «إسرائيل اليوم» نقلاً عن مصادر في المؤسّسة الأمنية في تل أبيب، هو الكشف عنها أكثر من مضمونها؛ فما الذي يدفع العدو إلى الإعلان عن تقدير كهذا، من شأنه إضعاف موقفه وردعه، وربّما أيضاً حثّ جهات المقاومة على اختلاف تموضعاتها، على تحدّي المحتلّ ومنعه من فرض إرادته عبر سطوته العسكرية والأمنية؟وفقاً للمصادر، كما ورد في الصحيفة، فإن «فرضية العمل في المؤسسة الأمنية هي أنه في الجولة المقبلة من القتال في مواجهة غزة أو في الشمال، ستنضمّ مجموعات من عرب إسرائيل (فلسطينيي 48) إلى المواجهات. وعلى رغم أن الجيش والشرطة الإسرائيليَين استعدّا بشكل أو بآخر للتصدّي لاحتمال كهذا، إلّا أن كبار المسؤولين (الأمنيين) يحذرون من أن الاستعداد غير كافٍ وغير مُرضٍ، على الإطلاق». وتشير التقديرات إلى توقُّع اندلاع أعمال عنف بمستويات أعلى من ذي قبل، في تساوق مع أيّ مواجهة مستقبلية، وإن كان حجم العنف وامتداده وتأثيره مرتبطةً بعوامل عدّة، من بينها مستوى الردع الإسرائيلي في الوعي الجمعي لفلسطينيّي الداخل، ونوعية الحرب وطبيعتها، وكذلك الموقف الفلسطيني منها. وبحسب التقديرات نفسها، فإنه في حال المواجهة مع «حزب الله» في لبنان، وما سيتخلّلها من إطلاق لآلاف الصواريخ يومياً على إسرائيل، «ستستغلّ جهات من الداخل (فلسطينيو 48) حالة الفوضى جرّاء الدمار والإصابات لتحدّي إسرائيل».
أحد أكثر السيناريوات إثارة للقلق في المؤسسة الأمنية في تل أبيب، هو «القتال الميليشيَوي المسلّح»


أمّا أحد أكثر السيناريوات إثارة للقلق في المؤسسة الأمنية في تل أبيب، فهو «القتال الميليشيَوي المسلّح» بين العرب (فلسطينيي 48) واليهود، في ما يمكن وصفه بـ«الحرب الأهلية» وفقاً للتعبير العبري، «وهي ليست مسألةَ إذا، بل مسألة متى». وبحسب مصدر أمني إسرائيلي، «لا تنقص الوسائل القتالية للاحتراب الداخلي، إذ هناك أسلحة لا نهاية لها لدى الجانبين». ويُعتبر هذا التحذير، الذي يبدو مستهجناً، بمثابة توصيف فعلي لواقع الأراضي المحتلّة عام 1948، حيث مقدّمات التصعيد والمواجهات، ومن بينها تلك المسلّحة، تنتظر تحفيزها الأخير. إلّا أنه إلى جانب هدف استعراض الواقع كما هو، ثمّة محاولة من قِبَل السلطات لتبرير أدائها «الانكفائي» أمام الجمهور، المطالب بالمزيد من قمع الفلسطينيين، وكذلك دفعاً لاتهامات بالتقصير يقودها معارضون من سياسيين وإعلاميين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، على خلفية «التراخي» مع الفلسطينيين، والامتناع عن لجمهم. وعبر الكشف عن هذه التقديرات المرتبطة بتهديدات الداخل، توضح المؤسسة الأمنية للإسرائيليين أن مزيداً من الحزم يعني «حرب شوارع» في المدن الإسرائيلية داخل الخطّ الأخضر. وهو معطًى، من شأنه أيضاً تفسير امتناع إسرائيل عن التصعيد المنفلت، إلى جانب عوامل أخرى.