أجرى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي ألقى كلمة خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، تقييماً سريعاً للأوضاع، استطرد خلال شرحه للجانب الإنساني، قبل أن يتطرّق إلى ما آلت إليه جهوده السياسية، مُعلِناً «أنّنا لا نزال أمام حالة من الجمود الاستراتيجي»، وذلك بعد ستّ جولات من محادثات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة، لم تتمكّن من خطّ سطر واحد حتى الآن. بيدرسون، الذي زار طهران والدوحة قبل نحو أسبوعين، أشار في إحاطته إلى أن «عمل اللجنة لا يزال مخيّباً للآمال»، معتبراً أن «التحدّي الحالي هو التأكُّد من أن الوفود لا تقدّم نصوصاً دستورية فحسب، بل إنها على استعداد أيضاً لتعديلها في ضوء المناقشات، لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة، أو على الأقلّ تضييق مساحة الاختلافات». وتابع: «أنا على استعداد لعقد الدورة السابعة للجنة الدستورية في جنيف حالما يتمّ التوصّل إلى تفاهمات، ولا أزال أتمنّى أن نعقد عدّة جلسات في الشهور المقبلة وأن نقوم بعمل جادّ».وبعدما لم يَغُص، في كلمته أمام مجلس الأمن، في تفاصيل خطّته القديمة - الجديدة (خطوة مقابل خطوة)، والتي تقوم على مبدأ أن تَخطو الحكومة السورية خطوات نحو الحلّ، مقابل إجراءات «انفتاحية» من الولايات المتحدة تتمثّل في تخفيف العقوبات وغضّ النظر عن الانفتاح العربي على دمشق، وتقديم دعم، وإن بطريقة غير مباشرة، لتسريع وتيرة «التعافي المبكر» في سوريا، عاد بيدرسون ليَخرج بعد ثلاثة أيام، ويؤكد عبر تصريحات صحافية استمرار عمله لإنجاح هذه الخطّة، التي قال إنها تحظى بموافقة ودعم روسي – أميركي. وجاءت التصريحات الجديدة للمبعوث الأممي بعد نحو أسبوعين من إعلان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، رفض دمشق لمبادرته، التي اعتبرها المقداد تدخّلاً في القضية التي يجب أن يكون السوريون هم أطراف حلّها، مطالباً بيدرسون بأن يقف على الحياد. وتسود شكوك لدى دمشق في أن الهدف من خطّة المبعوث الأممي قد يكون ترسيخ الاحتلال الأميركي في سوريا بشكل أو بآخر، وتحويل الوجود العسكري إلى جزء من الحلّ، في وقت تَعتبر سوريا، ومعها الدول الضامنة لـ»مسار أستانا» (روسيا وإيران وتركيا)، الوجود الأميركي عثرة على طريق الحلّ.
تصريحات بيدرسون حول جود توافق أميركي – روسي في سوريا، أتت في وقت ترتفع حدّة المواجهة السياسية بين البلدين في ملفات عدّة، أبرزها الملفّ الأوكراني. كما أنها تتعارض مع الموقف الروسي الحازم إزاء الوجود الأميركي في سوريا، والذي تتّهمه موسكو، إضافة إلى أنه يشكّل عثرة في طريق التسوية ويسعى إلى تقسيم سوريا عبر السيطرة على منابع النفط ودعم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بتقديم مساعدات لجماعات «إرهابية» في شمال غربي البلاد، وفق بيان أصدرته البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة، والتي ذكرت في بيانها أن «الولايات المتحدة لا تدّخر جهداً لإعادة تكوين صورة قاطعي الرؤوس في إدلب، وتقديمهم كأنهم بديل للحكومة في دمشق».
تصريحات بيدرسون جاءت في وقت يشهد ملفّ المساعدات إلى سوريا جدلاً كبيراً


كذلك، تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد ملفّ المساعدات إلى سوريا جدلاً كبيراً، وسط محاولات واشنطن فتْح خطوط إمداد عبر الحدود (من دول الجوار إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة)، أو على أقلّ تقدير ضمان استمرار الوضع القائم (ثمّة معبر واحد حالياً هو باب الهوى مع تركيا)، وهو ما أكّدت موسكو معارضتها له لأسباب عدة، أبرزها أنه يساهم في ترسيخ حالة التقسيم القائمة، إضافة إلى استغلاله في تقديم الدعم للجماعات المسلحة، ومن بينها فصائل «إرهابية»، على أن يكون البديل، وفق مقترح موسكو، تمرير هذه المساعدات عبر خطوط التماس من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق المعارَضة، بما يضمن عدم وصولها إلى الفصائل «الإرهابية»، وكسْر الجمود على خطوط التماس.
ومدّدت الأمم المتحدة العمل بالقرار 2585، الذي يسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى فقط، إضافة إلى خطوط التماس، من دون إجراء تصويت، لستّة أشهر، بعد أن قدّمت واشنطن، وفق ما سرّبت مصادر ديبلوماسية آنذاك، تعهّدات بزيادة كمّيات الدعم الممرَّر عبر الخطوط، إضافة إلى تقديم تسهيلات لمنظّمات الأمم المتحدة ومنظّمات إنسانية لتنشيط مشاريع «التعافي المبكر»، وغضّ الطرف عن مشاريع اقتصادية عديدة بين سوريا ودول الجوار، ما يعني تأجيل النقاش في هذه المسألة بضعة شهور ليعاد فتحها مرّة أخرى.
ويتزامن ذلك مع زيادة الولايات المتحدة نشاطها في الملفّ السوري، وإعلانها الإبقاء على قواتها بذريعة «محاربة الإرهاب»، وما تبع هذا الإعلان من صعود مفاجئ لنشاط «داعش»، تجلّى آخر مظاهره في الهجوم الذي تعرّض له «سجن الصناعة» في الحسكة، والذي كان يضمّ حوالي 5 آلاف معتقل من التنظيم بينهم قياديون من الصف الأول، هرب منهم حوالي 200 عنصر إلى مكان مجهول، وسط شكوك في نقلهم إلى البادية السورية بإشراف أميركي. وإذا ما صحّت تلك الشكوك، فقد تنجم عن نقلهم عودة فعلية لنشاط التنظيم، في ظلّ وجود مقاتلين تابعين له منتشرين في جيوب عدّة في البادية، ووجود خطوط دعم مباشرة له عبر قاعدة التنف الأميركية على المثلّث الحدودي مع العراق والأردن.